تهدف هذه المدونة للتعريف بإنتاج وحدة البحوث والتطوير بشركة ميديا إنترناشيونال.. أحد بيوت الخبرة العربية في مجال الإعلام الجديد..

الأربعاء، 12 مارس 2008

علامات تداول المواقع.. تشارك المعرفة في المجتمع الإليكتروني


علامات تداول المواقع أو الـ Social Bookmarking هي ظاهرة إنترنتية تنتمي لأحد تيارات تطبيقات الإنترنت Web Applications التي تنتمي للمرحلتين الثانية والثالثة من الإنترنت، وهي المرحلة التي يتواضع الخبراء على تسميتهما Web 2.0 وWeb 3.0. ويكاد المراقبون يتفقون على تسمية الغالبية الساحقة من البرمجيات المكونة لبيئة Web 2.0 بمصطلح صار متداولا في الأوساط الأكاديمية تحت اسم: البرمجيات الاجتماعية (1) أو Social Software التي صار لها أهمية كبيرة استنادا لتغير فلسفة الإنترنت الجديدة على نحو تبدلت فيه الأوضاع ليصبح المستخدم هو مركز ظاهرة الإنترنت بعد أن كان أصحاب المواقع يتبوأون هذا المركز لفترة امتدت من 1992 وحتى 2003.



مقدمة: البرمجيات الاجتماعية وموقع علامات التداول منها:


خلال العام الماضي سمعنا مصطلح الإنترنت الاجتماعية أو Social Web الذي قام على أكتاف حزمة من البرمجيات الاجتماعية التي استندت للجيل الثالث من لغات بناء تطبيقات الويب. وتتضمن هذه الحزمة ظواهر برمجية متعددة لها وجودها المتمايز أونلاين؛ لعل أبرزها من وجهة نظرنا: مواقع المدونات Blogs وأبرزها موقع Blogger، والمقتطفات Clipping وأبرزها موقع Clip Marks، وبرامج الرسائل الفورية Instant Messaging، والمنتديات Forums، وغرف الدردشة Chatting Rooms، والتعليم الإليكتروني E-Learning، والألعاب Online Games، ومواقع تداول ملفات الوسائط Media Sharing وأبرزها موقع You Tube وموقع Flickr، ومواقع الأدلة الاجتماعية Media Cataloging وأبرزها مواقع Yellow Pages المختلفة، ومواقع الاحتياجات الشخصية Personals، ومواقع تشارك التعليق على المحتوى الإنترنتي Social Citations وأبرزها مواقع مثل موقع CiteULike وموقع Connotea وموقع BibSonomy، ومواقع برمجيات الشبكات الاجتماعية Social Networks مثل موقع Face Book وموقع Hi5، والعوالم الافتراضية Virtual Worlds مثل موقع Second Life، ومنظومات الويكي Wikis وأبرزها موقعا Softpedia وWikipedia (2).


وتتفاوت المراجع المختلفة المؤرخة لتاريخ الويب في وضع الفئات العامة التي تصنف تحتها هذه التنويعة العريضة من مواقع الجيل الثاني من الإنترنت أو مواقع Social Software. فبعضها يصنفها لأربع فئات تتضمن الفهارس أو الأدلة الاجتماعية Social Guides، والمكتبات التداولية Social Libraries، وشبكة الخدمات الاجتماعية Social Network Services، والعوالم الافتراضية Virtual Worlds. ويضيف بعض الخبراء مواقع Social Media كالمدونات والمنتديات والمواقع المجانية والمجموعات البريدية. بينما البعض الآخر يضيف البرمجيات التواصلية Communicational مثل غرف الدردشة وبرمجيات التواصل النصي مثل Windows Live Messenger (3).


وتعد ظاهرة علامات تداول المواقع أو الـ Social Bookmarking من أبرز الظواهر المرتبطة بدور مستخدم الإنترنت في إنتاج المحتوى الإليكتروني وأرشفته وفرزه وتداوله، وهي العلامات التي تميز مرحلتي ويب 2.0 وويب 3.0 ضمن خط تطور الإنترنت كوسيط إعلامي (4). أو حتى في إطار اعتبار ويب 2.0 مجرد منصة أو وسط للاتصال والتواصل وفق تعبير الخبير الإعلامي توفيق غانم (5)، حيث يعد التشبيك أحد أهم مظاهر ظاهرة الاتصال والتواصل. وفي هذا الإطار تعد ظاهرة علامات التداول ضمن مساحة التقاطع ما بين ظاهرة إعلام المواطن Citizen Journalism وظاهرة التشبيك Networking كما يبين الشكل المرفق، وهو ما يجعل لها هذه الأهمية الخاصة.


كما أن تلك الأهمية تتجلى أيضا من خلال بعض المؤشرات المرتبطة بالمصطلح والتي يمكن الإشارة لأبرزها المتمثل في كونها قيمة قاموسية (6) من ناحية. كما أن المصطلح يعبر عن قيمة إعلامية ومعلوماتية من ناحية ثانية، حيث نجد أنه خلال 0.41 من الثانية تمكن محرك بحث جوجل من إيجاد 42,300,000 نتيجة بحثية لهذه الكلمة المفتاحية المزدوجة "Social Bookmarking" (7). ويلحق بما سبق أن لهذا المصطلح قيمة اجتماعية تتمثل في احتلال موقع مثل Digg الرتبة رقم 115 وفق معايير Alexa لترتيب المواقع، ويحتل موقع LinkedIn الرتبة رقم 196 لنفس المعيار، وموقع Technorati يحتل الرتبة 271، وموقع StumbleUpon في الرتبة 340، أما الموقع الشهير del.icio.us فيحتل الرتبة 1156. وفي إطار نفس الإشارة للأهمية الاجتماعية نجد أن هناك ما يربو على 250 موقعا يسدون هذه الخدمة لمستخدمي الإنترنت (8). وباعتبار المصطلح دال في قيمة مالية نجد أنه بجوار المواقع المجانية ثمة مواقع تقدم خدمات توسيع نطاق انتشار علامات التداول مقابل مبالغ مالية؛ ومنها موقع Social Marking 2.0 الذي يقدم خدمة نشر الموقع من عبر 240 موقع علامات تداول مقابل 25 دولارا وإلى 1000 دليل مواقع مقابل 10 دولارات، هذا إلى جانب تقديمه الخدمة المجانية المنتشرة بين مثيلاته من المواقع (9). تلك الأهمية ما دفعتنا لتناول هذه الظاهرة في دراسة تحاول استكشاف جنباتها.



أولا: التعريف بالظاهرة وتطورها


أ - مسمى الظاهرة.. إسهام لغوي أولي:


إذا كانت البيئة مصدر هذه الظاهرة قد أسمتها Social Bookmarking فقد تباينت الأسماء التي تعاطت معها في البيئة العربية باعتبارها البيئة المستوردة. فبخلاف تفضيل بعض التيارات الفردية استخدام النطق الإنجليزي "سوشيال بوكماركينج"، إلا أن محاولات الترجمة الحرفية أو شبه الحرفية لهذا المصطلح كان من بينها: "الإشارات المرجعية الاجتماعية" و"المفضلات الاجتماعية".


كما أسمتها بعض المحاولات الفردية في ترجمة غير حرفية لها باسم: مشاركة الروابط. ومن بين هذه الترجمات نجد أن الترجمة الأكثر شيوعا هي "المفضلات الاجتماعية" (10).


وأثناء عملية مسح الإنترنت حول المسميات العربية لهذه الظاهرة وجدنا أن محركات البحث ذات وظيفة الترجمة المتجددة المصادر لا تزال تتجاهل هذه الظاهرة، فمحرك بحث جوجل قد ترجم مصطلح Social Bookmarking لأحد مواقع التجارية بالاتحاد الأوروبي التي كانت تتداول نفس المصطلح تحت مسمى "بوكماركينغ الاجتماعية" (11)، وهو ما يعكس حداثة المصطلح في الذهنية العربية.


إن محرك بحث جوجل يعطينا مؤشر على جمعه 2410 نتيجة بحثية لمصطلح المفضلات الاجتماعية خلال 0.14 ثانية. كما أعطانا 957 نتيجة بحث في مدة قدرها 0.21 ثانية لمصطلح "الإشارات المرجعية الاجتماعية". وهي أرقام لا تكاد تذكر عندما نقارنها بتلك النتيجة التي حصل عليها المصطلح في أصله الإنجليزي والتي زادت على 42 مليون نتيجة بحث خلال 0.41 ثانية في كل الويب؛ ومنها 157 ألف نتيجة بحث في مواقع الويب العربية وحدها. إن هذه النتيجة القلقة تجعل المصطلح في ترجمته لا يزال قيد الصك؛ ووهو ما يتيح الاجتهاد في التسمية أو في ترجمتها (12).


وقد صككت مصطلح "علامات التداول" كبديل للمصطلحات الثلاثة المستخدمة كترجمة لمصطلح Social Bookmarking، وذلك لعدة أسباب:


1 – استخدام كلمة (اجتماعية) في مصطلحات الترجمة القائمة لا يعبر عن حقيقة التشارك والتداول، بل يقود إلى معنى آخر قد يؤدي إلى لبس لدى المتلقي الذي لا ثقافة له تمكنه من الربط بين الأصل اللاتيني وترجمته الحرفية.


2 – عبارة (إشارات مرجعية) لا تتسم بالدقة اللازمة، حيث إن للعبارة حضور اصطلاحي محدد الدلالة في علم مناهج البحث، ولا يحتمل اضطراب الدلالة. كما أن إضافة لفظة (الاجتماعية) للعبارة يؤدي بذهن المستمع أو القارئ إلى تلك المراجع (كتب ودراسات وبحوث) التي تتحدث عن الظاهرة الاجتماعية. كما أن عبارة (إشارات مرجعية) هي ترجمة لكلمة أخرى هي References باللغة الإنجليزية.


3 – كلمة "المفضلات" كلمة مبهمة جدا، وتزداد سيولتها الدلالية عندما نستخدم كل العبارة "المفضلات الاجتماعية" التي تنصرف إلى جملة من العادات الاجتماعية المتسمة بالقبول الاجتماعي.


4 – إن نتائج البحث حول عبارة (المفضلات الاجتماعية) والتي بلغت 2410 نتيجة، ونتائج البحث عن عبارة (الإشارات المرجعية الاجتماعية) 957 نتيجة لم يكن من بينها نتيجة واحدة لجهة بحثية أو علمية أو أية جهة ذات مصلحة اقتصادية، بل غلبت على المواقع المستخدمة لها أن تكون منتديات هواة أو مدونات، بما يعني أن مسمى الظاهرة ليس بنضج العلم بها وممارستها.


5 – يتسم مصطلح علامات تداول المواقع بلياقة دلالية عالية، كما يتسم بوثاقة صلته بمكونات ظاهرة Social Bookmarking مثل العلامات Tags والتشبيك Networking وما ينطوي عليه من جهود التشارك والتداول Sharing. كما أن المصطلح يمكن أن يختصر إلى كلمة واحدة (العلامات) أو كلمتين (علامات التداول)، ويمكن أن يتحول لفعل أو مصدر يرتبط بالعلامة ومعناها، وهي مزايا لا تتاح للمصطلحات التي أسلفنا الإشارة لوجودها.


أما وقد فرغنا من توضيح دال الظاهرة أو اسمها أو المصطلح المعبر عنها فقد آن أوان تعريفها بدرجة عالية من الدقة.


ب - تعريف الظاهرة:


إن التعريف الوظيفي لمصطلح علامات تداول المواقع Social Bookmarking يشير إلى تطور نوعي في ظاهرة Bookmarking نفسها سنعرض له تاليا ضمن تطور الظاهرة وتغير المصطلح وتطور دلالته.


والمصطلح نفسه علامات تداول المواقع أو الـ Social Bookmarking يشير إلى أداة إنترنتية طورها القائمون على إدارة وتطوير ظاهرة الإنترنت، هذه الأداة تمكن مستخدمي الإنترنت من تجويد وتنظيم عملية تخزين المواقع التي تهمهم، وتنظيم إدارتها والتحكم في شكلها، والاستفادة من تخزين هذه المواقع بوضع علامات لها تمكن المستخدمين من الوصول إليها من أي مكان في العالم؛ ومن دون حاجة مستخدم الإنترنت للجلوس إلى حاسوب بعينه، وتتيح هذه الأداة القدرة على تداول هذه المواقع وتشاركها بين مجموعة من مستخدمي الإنترنت تربطهم علاقة محددة Communities (13).


والأصل في عملية التخزين وعلاماتها أنها عملية علنية Public، ولكن في نفس الوقت يمكن تحويلها لتصير عملية تحمل درجات متفاوتة من الخصوصية تتراوح بين الخصوصية المطلقة والخصوصية النسبية. ودرجة الخصوصية المطلقة مصطلح يعني أن الاطلاع على المواقع المخزنة يكون للمستخدم الذي قام بتخزينها وحده دون غيره، بينما الخصوصية النسبية تعني أن هناك جماعة ما هي المخولة حق الاطلاع على هذه المواقع. وتتفاوت المواقع فيما بينها من حيث قدرتها على إتاحة خدمات عديدة للمستخدمين؛ من ضمنها تعدد مستوى الخصوصية المتاح للمستخدمين اختياره (أصدقاء – شبكة محددة – عائلة – نطاق محدد Domain.. إلخ) (14).


وقبل المضي قدما في أركان هذه الظاهرة، والمفاهيم الأساسية التي تقوم عليها، يجدر بنا الإشارة إلى أن هذه الظاهرة تتطور بصورة متسارعة، قد تجعل حديثنا اليوم قديما خلال فترة عام أو نحو ذلك.


ويتاح للمستخدمين الاطلاع على ما تم تخزينه من مواقع عبر تخويلهم سلطة تخزين هذه المواقع عبر استخدام علامات فهرسة Tags، وهذه العلامات هي التي يتم عرض المواقع المخزنة من خلالها، إما بصورة مباشرة، أو بصورة غير مباشرة عبد إدخال هذه العلامات ضمن دائرة تصنيف وفهرسة.


ج – مصطلحات على علاقة بالظاهرة:


والعلامات Tags هي مصطلح ظهر خلال الأعوام القليلة الماضية بحسب تعبير الباحثة سو شاستين، وهي علامات تستخدم لتبويب (صفحات) و(مواقع) الويب عبر تقنية علامات تداول المواقع المستخدمة في مواقع مثل del.icio.us وTechnorati وغيرها (15). وتشير موسوعة ويكيبيديا إلى أن مصطلح Tag (عندما يستخدم في إطار الحديث عن ما وراء البيانات Metadata) يكون المقصود به كلمة أو مصطلح يتم ربطه بقدر من المعلومات المنشورة أونلاين، أو يتم تعيينه للدلالة على هذا القدر من المعلومات (16). وتقوم هذه المواقع على قواعد بيانات تستقبل هذه العلامات لتحتفظ بها في الوقت الذي تقوم فيه بتزويد محركات البحث بهذه العلامات والمواقع التي تم تعليمها بها، وهو ما يسهم في رواج الصفحة أو الموقع بدرجة أكبر.


ويرتبط باستخدام هذه العلامات أن تتسم المرحلة الجديدة من فهرسة المواقع بعدة سمات؛ أهمها سهولة الفهرسة بالنسبة للمستخدمين الذي باتوا منتجين للمحتوى، وسهولة الوصول للمواقع المفضلة، وخصوصية عملية الفهرسة على صعيد الكلمات المفتاحية.


وخلال الفهرسة بالعلامات تطور مفهوم للجديد للفهرسة يعرف باسم Folksonomy. ويعتبر الخبير الأمريكي Jakob Voss أن مصطلح Folksonomy يعد مرادفا للمعاني التالية: الفهرسة الجماعية عن طريق العلامات Collaborate Tagging، أو التصنيف الاجتماعي Social Classification، أو الفهرسة بغرض التشارك Social Indexing، أو وضع علامات على المواقع بغرض التداول Social Tagging (17).


ومصطلح Folksonomy منحوت من كلمتين؛ هما: Folk أو الشعب وTaxonomy أي علم تصنيف الكائنات، وعليه فالمصطلح يعني علم التصنيف الذي وضعه مستخدمو الإنترنت. وهو بهذه الكيفية دال على عملية الاشتراك في بناء جوهر مشروع الفهرسة. واعتماد هذا النظام على العلامات Tags التي يتعامل معها مستخدم الإنترنت باعتبارها كلمة مفتاحية عادية يعد ثورة على المنظومة القديمة التي كان الخبراء والمتخصصين فيها يحتكرون مساحة الفهرسة وفق تقنية تضاءلت جدواها بمر الزمن (18).



ثانيا: الخلفية التقنية والفلسفية للظاهرة

ظاهرة علامات تداول المواقع أو الـ Social Bookmarking لا يمكن بت صلتها بالسياق التاريخي الذي نشأت فيه، والذي لا يمكن بحال أن نصف الظاهرة وصفا دقيقا من دون توضيح دلالته في بناء الظاهرة. ولعلنا أشرنا من قبل في عجالة إلى مفهوم ويب 2.0 ودلالتها من حيث كونها وسيط إعلامي ومن حيث كونها وسط اجتماعي (19). وكلا البعدين كان له حضوره وتأثيره في علامات تداول المواقع.

أ – الإنترنت كوسيط إعلامي وتداعياته:


الإنترنت كوسيط يعني الإنترنت كأداة إعلامية يتم استخدامها لنشر المحتوى. والإنترنت من هذه الزاوية كانت مسرحا لتأثير قوي للتطورات التي عصفت بالبنية التحتية القديمة للإنترنت التي نعرفها باسم الشبكة العنكبوتية أو WWW. وكانت الثورة تمس قدرات خادمات المواقع، كما تمس منظومات وفلسفات قواعد البيانات، كما تمس لغات بناء تطبيقات الويب، كما مست وسائل نقل البث Delivery (20).


وكانت النتيجة الأساسية لهذه الثورة أن تغير مفهوم الإنترنت كوسيط إعلامي تغيرا جذريا. وبدلا من الاستمرار في شكل التدفق الإعلامي الكلاسيكي One to Many تغير أسلوب إنتاج المحتوى ليصبح عنوانه Many to Many، وكان هذا في عرف المتخصصين في علوم الإعلام عودة الروح لمفهوم المواطن الصحافي Citizen Journalism أو منظومة إعلام نمط الحياة LifeStyle Media التي أدت لإنتاج محتوى ضخم وثري ويتمتع بدرجة صدقية عالية على المستويين المحلي والعالمي.


وكان استيعاب هذه الثورة وإتاحتها من المشكلات التي كان من الممكن إثارتها لولا أن موقع Del.icio.us كان قد سبق تلك الموجة بقرابة العام (أواخر عام 2003) عندما تجاوز المنظومة الكلاسيكية للفهرسة؛ مانحا الفرصة لمستخدم الإنترنت نفسه أن يكون صاحب علامات الفهرسة، وصاحب عملية تنظيم المواقع التي يفضل التعرض لها، مستغلا في ذلك التطورات التي كانت ملامحها قد بدأت تظهر في مفاهيم قواعد البيانات الجديدة وتأثيراتها.


وبقدر ما كانت ثورة المحتوى الذي ينتجه المستخدمون مستندة لتقنية قيام المستخدمين انفسهم بفهرسة المحتوى، بقدر ما إن تعاظم حجم المحتوى الذي ينتجه المستخدمون قد أسهم في تعزيز حالة الفهرسة الذاتية، ذلك أنه قد صار من المستحيل على موفر خدمة قواعد البيانات في مساحات المنتديات والمدونات والمواقع المجانية وغيرها أن يقوم بفهرسة كل هذا المحتوى، وهو ما عزز فرص استمرار موجة الفهرسة الذاتية.


ب – الإنترنت كوسط اجتماعي وتداعياته:


كان التشبيك من أهم نتائج البنية الفوقية التي ترتبت على ثورة ويب 2.0. وبالرغم من أن مصطلح التشبيك قد نشأ بداية في ثنايا علوم الحاسب، وبخاصة قطاع الشبكات من هذه العلوم، إلا أن المفهوم لم يلبث أن انفعل بظاهرة العولمة التي تقوم على تعدد المراكز المهتمة بنفس القضايا عبر الحواجز الحضارية التي بدأت تتلاشى، مما استتبعها بناء روابط ما بين شبكات الحاسوب الامريكية والغربية، ثم جاءت ثورة الإنترنت الأولى لتعمق هذا الإحساس بالتشبيك، ثم تطور المفهوم اجتماعيا ليكتسب قوة دفعة الذاتية التي عبرت تلقائيا عن حضورها في الإنترنت الجديدة مع التقدم الكبير الذي حدث في مفهوم قواعد البيانات، وتحولها لمفهوم متعدد المداخل / متعدد المخارج، مما سمح لمطوري البرامج باستثمار هذه الخاصية لتكثيف وتيرة التواصل في مواقع الإنترنت، وبدأ واقع التشبيك يتجاوز المجموعات البريدية باتجاه نموذج Face Book، وبدأ الاتجاه نحو استخدام ظاهرة علامات تداول المواقع في تعزيز نواحي الرابط الموضوعي بين عناصر الشبكات الاجتماعية المختلفة. وذلك عبر تعظيم كل شبكة لحجم المواقع التي تهتم بموضوعاتها.



ثالثا: تطور الظاهرة واستقرارها:


أ – بدء الظاهرة.. إطلالة تاريخية:


يرجع تاريخ مفهوم تداول علامات المواقع إلى أبريل من عام 1996 مع تدشين موقع حمل اسم itList، وقد تضمن هذا الموقع خدمات تداول علامات المواقع بخدمتين تقوم إحداهما على جعل العلامات المنتقاة علنية ومتاحة للجميع من مشتركي الموقع بالإضافة لتأمين إمكانية أن تتاح للمستخدم إمكانية الاحتفاظ بقدر من الخصوصية حيال ما يشاء من علامات المواقع. وخلال السنوات التي تلت ذلك التاريخ، أصبحت خدمة الاحتفاظ بعلامات المواقع أونلاين خدمة تنافسية دخل حلبتها شركات مثل Backflip, Blink, Clip2, ClickMarks, HotLinks وغيرهم. واعتمدت هذه الخدمة على تنظيم علامات المواقع في مجلدات ينشئها المستخدم في الموقع يدويا أو آليا (بدرجات متفاوتة من الدقة). ثم انتجت شركة Blink أول أزرار يمكن للمستخدم أن يضيفها في متصفحه لكي تيسر عملية حفظ المواقع وتعليمها. وردت عليها شركة Backflip بابتكارها خدمة تمكين المستخدم من إرسال الموقع بالبريد لنفسه أو إلى من يريد، كما مكنت المستخدمين من استضافة أزرار لحفظ علامات المواقع داخل صفحاتهم الخاصة أو مواقعهم. لكن هذه المشروعات باءت بالفشل لعدم قدرة هذه الشركات على إبداع منظومات لتحقيق أرباح من وراء مثل هذه الخدمات (21).


وفي خواتيم عام 2003 تأسس موقع del.icio.us مدشنا العلامات غير الرسمية للفهرسة Tags، وصك مصطلح علامات تداول المواقع Social Bookmarking، غير ان نجم هذا الموقع بدأ في الأفول نسبيا في مواجهة مجموعة جديدة من المنافسين الذين عملوا بفلسفة جديدة، مثل مواقع Simpy وFurl وCiteulike و Connoteaالذين يصنفهما البعض باعتبارهما موقعي Social Citation لا Social Bookmarking، بالإضافة لمزايا موقع مثل Stumbleupon. وبدأت دفقات المواقع تترى بعد ذلك حتى تجاوزت اليوم 250 موقعا تتفاوت حظوظهم من الشهرة.


ب – أجيال الظاهرة وملامح خدماتها:


يمكن الإشارة إلى مرور الظاهرة الجديدة التي ظهرت منذ 2003 بمجموعة من الأجيال بحسب مقدار الخدمات التي تقدمها للزائر.


وقبل الشروع في رسم ملامح هذه الاجيال؛ لابد من الإشارة إلى أن القول بوجود جيل سابق لا يعني أن هذا الجيل اختفى، بل لا تزال ثمة مواقع تمثله، وربما هي بطريقها للتلاشي خلا ستة أشهر أو عام أو ربما أكثر. لكن اللحظة الراهنة تثبت أن هذا الجيل لا يزال حاضرا بجمهوره.


ويمكن إجمال هذه الأجيال بقدر من الإيجاز في العرض التالي (22):


1 - الجيل الأول: كما ذكرنا سلفا، فإن هذا الجيل بدأ بموقع del.icio.us، ولم يلبث أن انضم لقافلته الكثير من المواقع مثل Google Bookmarks، وYahoo-My Web، وAdd This، و linkaGoGo، وTaggly. وأفضل نماذج هذا الجيل وأكثرها تطورا موقع Netvouz. ويمنح هذا الجيل إمكانيات وضع العلامات وتداولها وإدارتها مع تفاصيل واسعة في الإدارة والاستيراد والتصدير؛ لا زالت تجعل لهذا الجيل رونقا، ويكتفي بهذا القدر.


2 - الجيل الثاني: الجيل الثاني فيتسم بوجود اهتمام حقيقي بحالة التشبيك التي مثلت الأساس الأول الذي قامت عليه فكرة علامات تداول المواقع. ويقدم هذا الجيل دوائر مختلفة ومتعددة للتشبيك ينتقي المستخدم من بينها، ثم يطرح الموقع تفضيلات للمستخدم لينتقي علامات التداول المحددة بواسطة أي من دوائر التشبيك التي يختارها، مع وجود تعدد في مستويات وكيفيات التعامل مع الفهرسة في علاقتها بدوائر التشبيك. ومن أهم المواقع المعبرة عن هذا الجيل موقع Magnolia، بالإضافة إلى مواقع مثل موقع Diigo، ومواقع Feed Me Links، و BlinkList، وNewsVine كذلك.


3 - الجيل الثالث: الجيل الثالث يوفر درجة عالية من درجات التفاعل والنقاش بين المستخدم ودوائر الإنتماء الخاصة به أونلاين حول رابط من الروابط، فكأنها منتديات مؤسسة على فكرة فهرسة المواقع في إطار التشبيك. ومن أهم المواقع التي تعد رموزا لهذا الجيل موقع BUMPzee، وموقع BlogLines، وموقع co.mments.
4 - الجيل الرابع: الجيل الرابع من مواقع علامات التداول هي تلك المواقع التي صممت لكي تلتحم بالمتصفح أكثر منها لتكون موقعا مستقلا.


وهذا الجيل من علامات تداول المواقع لها مواقع، لكن أكثر هذه البرمجيات تطورا هو برنامج Yoono يقتصر فيه دور الموقع على تحميل البرنامج مع المتصفحات التي تقبل التفاعل معه. وموقع Yoono يعمل مع المتصفحات بخلاف الإكسبلورر. وهو يفتح في بار جانبي في المتصفح، وينقسم لقسمين لا يعملان إلا مع فتح أي موقع: القسم العلوي يتولى عرض المواقع التي يغلب عليها أن تتم فهرستها بالعلامات التي تنطبق على الموقع المفتوح، والقسم الأسفل يكون به أسماء المتواجدين أونلاين ممن أضافوا علامات للموقع الذي يفتحه المستخدم في نفس اللحظة، بحيث يمكن للمستخدم أن يدخل في دردشة مع من أضاف هذا الموقع.


وينتمي لهذا الجيل أيضا موقع مثل Stumble Upon وYolicit، ويتشابه الأخيران في وظائفهما التي تتعلق بإنشاء حوار غير مباشر حول المواقع المفضلة وتلك المرفوضة؛ بالإضافة للوظيفة التقليدية من التصنيف والتشبيك، بينما يختلفان عن البرنامج الأول في أن الأول يوفر تواصلا مباشرا أكثر في مساحة التشبيك، يضل إلى درجة توفير مساحة للدردشة حول علامات التداول. فلو أن أحدا صنف إسلام أونلاين باعتباره موقعا ترفيهيا أو إرهابيا فيمكنك معرفة اسم المستخدم الذي قام بهذا التصنيف، ويمكنك إجراء حوار معه حول أسباب اختياره لهذه الكلمة المفتاحية أو تلك تعبيرا كوصف للموقع. وربما يكون لمثل هذا الإجراء وظائفه الترويجية بجانب وظائفه المرتبطة بصورة الموقع ومدى وصول رسالته للجمهور المستهدف.



خاتمة:


كانت الإنترنت الكلاسيكية تتيح إمكانية الترويج للمواقع عبر مجموعة من الآليات التي احترفها كل محترف لفن الترويج الإليكتروني. الإنترنت الجديدة تجعل من الممكن لأي زائر لأي موقع أن يتصور هذا الموقع كيفما يشاء من التصورات التي تتولد لديه من أداء الموقع ورسالته الحقيقية، ويقوم الزائر بتعريف الموقع مع جماعته الخاصة بصفات تخصهم، ويتداولونه بينهم على هذا الاعتبار، ويكتسب الموقع صورة إعلامية وذهنية جديدة، ويكتسب مساحة جديدة من الترويج؛ وعددا أكبر من الزوار بناء على هذا التصور الجديد، لينفتح أمامنا باب جديد لدراسة الصورة الخاصة بموقع من المواقع كما تتداوله علامات تداول المواقع.


**=========**
الإحالات المرجعية:
**=========**


1 - Wikipedia, the free encyclopedia, The Article of: Social Software.
2 - تم الاعتماد في هذا الجزء بتصرف على المقالة التالية للباحث الأمريكي ستو بويد مع تجميع الأمثلة بالملاحظة المباشرة أو من خلال المرجع السابق:
Stowe Boyd, Are You Ready for Social Software?, Personal Site of Stowe Boyd, 17-10-2006.
3 - Wikipedia, the free encyclopedia, The Article of: Social Software.
4 - وسام فؤاد، الإنترنت ما بعد التفاعلية وتطوير الإعلام الإليكتروني، موقع اتحاد كتاب الإنترنت العرب، بتاريخ 10-11-2007. وقد نشر البحث أيضا بموقع مبادرة: نحو إنترنت عربية حرة الذي دشنته الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وموقع مجلة الحوار المتمدن، وهي مجلة فكرية طليعية تجديدية يسارية.
5 - المرجع السابق يتضمن مقابلة مع أ. توفيق غانم الرئيس التنفيذي لمجموعة ميديا إنترناشيونال، وهي بيت خبرة في مجال الإعلام الإليكتروني.
6 - Wikipedia, the free encyclopedia, The Article of: Social Bookmarking.
& also: Wikipedia, the free encyclopedia, The Article of: Social Software.
7 - لفت نظري لهذه القيمة العملية لتعليق محرك البحث جوجل على عدد نتائج البحث ووقت إيجادها تلك الإحالة المرجعية:
محمد عبد الكريم، Social Bookmarking Project، دراسة جدوى غير منشورة أعدها الباحث لإدارة تنمية الأعمال بشركة ميديا إنترناشيونال؛ لإنشاء موقع إحالات تداول.
8 - راجع الصفحة الرئيسية لموقع http://www.socialmarking.com، ونظام التسعير بهذا الموقع كمثال.
9 - راجع الموقع في الإحالة السابقة.
10 - تعاملنا مع قضية البحث عن أسماء الظاهرة في اللغة العربية بأسلوب بحثي يعكس خصوصية الإنترنت، حيث بحثنا عن مصطلح Social Bookmarking، ولكن حددنا البحث بأن يتم في المواقع العربية وليس في كل المواقع، حيث يؤدي البحث في كل المواقع إلى تجاهل النتائج العربية. ومن هنا رصدنا الاتجاهات الأربع في تسمية الظاهرة في العالم العربي.
11 - يرجى مراجعة الرابط التالي:
http://outsourcingmonitor.eu/translations/arabic.php?u=what-is-social-bookmarking-tagging.html
12 - راجع الشريط العلوي لمحرك بحث جوجل عقب ظهور نتائج البحث لكل عبارة من العبارات المستخدمة، حيث يوضح هذا الشريط كلمة البحث المستخدمة، وعدد نتائج البحث، والزمن المستغرق في البحث، واللغة التي تم البحث فيها (اللغة الإنجليزية أو لغة الإقليم الذي يحمل رابط محرك البحث امتداده مثل: eg كامتداد لإقليم مصر وae كامتداد لإقليم الإمارات.. إلخ).
13 - Wikipedia, the free encyclopedia, The Article of: Social Bookmarking.
14 - المرجع السابق بتصرف وترجمة غير حرفية.
15 - Sue Chastain, What is Tagging?; Using Keyword Tags for Digital Photo Organization, About.com.
16 - Wikipedia, the free encyclopedia, The Article of: Social Tag.
17 - Wikipedia, the free encyclopedia, The Article of: Folksonomy.
18 - المرجع السابق، بتصرف.
19 - وسام فؤاد، الإنترنت ما بعد التفاعلية وتأثيراتها في الإعلام الإليكتروني، مرجع سابق.
20 - William Brister, Web 2.0, EZine Articles web Magazine.
21 - Bill Ives, Intranet Social Bookmarking: Playing Tag Behind the Firewall, Intranets Today, 03-07-2006.
22 - قام الباحث بإجراء مسح استطلاعي شمل 50 موقعا من مواقع علامات تداول المواقع وخلص لهذا التقسيم الجيلي لمواقع علامات التداول.