تهدف هذه المدونة للتعريف بإنتاج وحدة البحوث والتطوير بشركة ميديا إنترناشيونال.. أحد بيوت الخبرة العربية في مجال الإعلام الجديد..

الأحد، 22 فبراير 2009

سمات الحضور العربي الثقافي والاجتماعي على موقع فيس بوك






أفاد عدد من التقارير الإعلامية حول ظاهرة حضور الشباب العربي على موقع فيس بوك بأن الشباب العربي على الإنترنت يستهلكون هذا الموقع باعتباره وسيلة للتواصل مع الجنس الآخر، وأن هذا التواصل ذي الخلفية البيولوجية ليس تواصلا مقصورا على دوائر التشبيك التي ينتمي إليها الشباب العربي، بل إن الشباب العربي يحرص على تجاوز هذه الظاهرة للحيز المكاني لتصبح ظاهرة عبر قومية. لكن هذه الظاهرة ليست كل الاهتمام العربي بموقع فيس بوك إذ أن الحضور الثقافي للعرب على هذا الموقع له عدة مظاهر، من بينها الجنس؛ لكنه ليس كل المتحصل من هذه العلاقة التي يمكن القول بأنها بداية العلاقة ما بين الشاب وفيس بوك؛ والتي سرعان ما تتطور لتأخذ مناح أكثر جدية وأبعد بونا عن العلاقات الاجتماعية المؤسسة على أرضية التلهف الجنسي. فما هي تلك الأرضيات الثقافية الجديدة التي سرعان ما ينتقل إليها مستخدم موقع فيس بوك؟ وفي أي مناح تتركز هذه الأرضيات؟ وإلى أي مدى تبلغ في تعاملها مع تلك الأرضيات؟ وإلى أي حد يمكن وصف هذا السلوك بأنه القاعدة الجماهيرية وأن ما عداه يكون استثناءا يخص نخبة الشباب وحدها؟ هذه الأسئلة نحاول تقديم إجابات عنها في هذه السطور.


عم نتكلم.. ماذا يقدم الفيس بوك للعرب؟

نحن نتكلم عن السمات الثقافية للحضور العربي على موقع فيس بوك. ولدينا هنا 3 مفردات لنلقي عليها الضوء سريعا قبل أن ندخل في صلب. وسبب رغبتنا في تحديدها أنها عناصر فارقة في تحديد كيفية ونطاق تناولنا لهذا الموضوع الذي لا تزال المعلومات فيه قاصرة ومحدودة برغم أن المفترض بالعالم الرقمي أن ييسر لنا الحصول على مثل هذه المعلومات والبيانات؛ وذلك بحكم تعريف كلمة رقمي التي تعني في النهاية أن كل شئ مجهز لكي يستوعبه الحاسوب. وبرغم هذا التوجه التقني العالمي؛ إلا أن ذلك لا يفيد في التعرف على أبعاد التعامل البشري مع الإنترنت. ففي كثير من الأحيان تعطينا مواقع الإحصاءات نتائج متضاربة تتنافى ومعنى الرقمنة Digitization؛ وبخاصة عندما تكون الفوارق كبيرة لا تقع ضمن هامش الخطأ التقديري للمعالجات الإحصائية. وعندما نقترب من المنطقة العربية تزداد الحالة الضبابية ويندر أن نحصل على رصد معلوماتي أو بياناتي دقيق. وهو ما سنحاول في هذه المساحة التغلب عليه عبر الالتفافات المعتادة على أوجه قصور البيانات.

ويرجع اهتمام الشباب العرب بموقع فيس بوك إلى أن هذا الموقع تجاوز في قدراته التواصلية كل الإمكانات التي كانت تتيحها الإنترنت الكلاسيكية من ماسنجر ومجموعات بريدية ومنتديات.. إلخ. فهذه الخدمات لا تحقق درجة الإشباع في التواصل، حتى ولو بلغت أوجها التقني عبر آليات Web Cam وVideo Conferences. وفيس بوك هو موقع من ضمن مواقع الإنترنت الجديدة التي ثارت على إنترنت كانت بمثابة كشك لبيع الصحف. كانت الإنترنت القديمة حكر على أصحاب رؤوس الأموال، يقوم فيها من يملك بعض رأس المال بإنشاء المواقع؛ وتوجيه الرسائل الاتصالية لمن يشاء وقتما يشاء؛ بينما يحرم عموم مستخدمو ومرتادو الإنترنت من هذا الحق المرتبط بإتاحة الإنترنت. ولم تلبث هذه الإنترنت القديمة التي كانت معروفة باسم www أن تحضرت لتذهب في غياهب التاريخ لتحل محلها كل من Web 2.0 وWeb 3.0. هذان الجيلان الجديدان؛ أو هذان المكونان للإنترنت الجديدة قضيا على أوليجاركية الإنترنت القديمة؛ وجعلا شبكة الإنترنت الجديدة أكثر ديمقراطية. ولأن الإنترنت تطورت في بيئة ديمقراطية فقد تبدت هذه الثقافة في تطوير آليات لمعاونة الجميع، وبخاصة الشرائح الاجتماعية التي لا تملك الثروة على رفع صوتها ليسمعه الجميع. هذا التطوير المرتبط ثقافيا ببيئة نشأته دفع الإنترنت الجديدة للتمركز حول مستخدم الإنترنت، وصارت مواقعها تدشن لا لخدمة مالكي رؤوس الأموال وحسب؛ بل لخدمة الجميع؛ بما في ذلك أصحاب الثروة، وبدأت هذه الديمقراطية الجديدة أونلاين بتكريس مواقع المدونات وتطويرها مثل Blogger وTIG، ثم مواقع الوسائط مثل Flickr وPicasa، وغيرها، ثم مواقع المساحات التي كانت تحاول الاقتصاد في مساحات التخزين، ثم ظهرت موجة مواقع التشبيك مثل Hi5 وOrkut التي لم يلبث موقع Face Book أن قفز بينها وتجاوزها بمجموعة خصائصه المتميزة التي لا يتسع المقام لذكر جميعها، لكن ما لابد من ذكره هنا هو قوته التشبيكية. فأهم خواص المرحلة الآنية للإنترنت أنها تتسم بسمة لابد من الاعتناء بها أيما اعتناء. ألا وهي بناء المجتمع أونلاين Community مع تزويد الخدمة التفاعلية جنبا إلى جنب. وليس المقصود ببناء المجتمع هنا أن الإنترنت الآنية تعمل كما سابقتها عن طريق توفير مساحة أو بند للمجموعات البريدية على نحو ما هو حاصل في، فالمجموعات البريدية صارت تاريخا نحكيه، ولا يمكن اعتبارها أداة فعالة اليوم. إن الفكرة التفاعلية اليوم صارت ترقى بالإنترنت على مستوى Cyber نفسه وليس المستوى Virtual إلى أن يكون بيئة تواصلية وملتقى في ذاته، وليس مجرد موقع به عدة أنشطة ما بعد تفاعلية. هذه الخاصية تجعلنا لا نتعامل مع الجانب التشبيكي والتجميعي للناس باعتباره أحد خدمات الموقع، بل باعتباره خدمة بينية بين كل الخدمات الأخرى. فالأصل في هذه المساحة التشبيكية أنها الهدف من وراء بناء كافة التطبيقات، وعليه فإن توصيفها بأنها بينية أو روح تسري في كل الخدمات التي يوفرها الموقع لابد وأن يكون السمة الأبرز والأوضح. حيث يمكن للمستخدم من خلال هذه الخاصية أن يستعرض كل التطبيقات ما بعد التفاعلية المتوفرة في الموقع من دون أن يضطر لقطع التواصل من أجل الانتقال من خدمة لأخرى. ففي هذه المساحة؛ يمكن للمستخدم ومن يشاركونه التجمع Community أن يتصفحوا كل المواد التي بين أيديهم، وتتاح لهم تحتها ومعها مساحات للنقاش، وأدوات تعبيرية مختلفة. والأكثر من هذا أن النزوع التشبيكي لهذه الإنترنت الآنية يجعل من عملية التعارف معلما بارزا من معالمه. فلم تعد هذه الوظيفة من مختصات برامج الزواج وإيجاد الرفيق التي باتت تاريخا، وإن كانت – عمليا – لا يزال ثمة إقبال على ما تقدمه من خدمة. والتطبيقات العاملة في هذه المساحة تضع إمكانيات متعددة لتوفير التعارف، وتعتمد مفاهيم حيوية في هذه المساحة، ولعل أهم هذه المفاهيم مفهوم Network الذي ينبه المنتمين إلى شبكة ربط معينة (بلد أو مدرسة وجامعة أو عمل) أن يلتقوا بعضهم البعض ويتعارفوا، ومنها مفهوم Match الذي يتيح للعزاب أن يتعارفوا، أو مفهوم Group وهو أقل هذه التطبيقات استخداما وشيوعا ويتيح الالتقاء على هدف ما للنشطاء، أو مفهوم Fan الذي يتيح تشكيل رابطة للإعجاب بشخص ما أو ظاهرة ما، أو مفهوم User الذي يتيح لمستخدم تطبيق معين أن يتعرف على أنشط مستخدمي هذا التطبيق، أو مفهوم Birthday لمواليد نفس اليوم.. إلخ. والمراقب لهذه السمة التعارفية يجد أن مفاهيم التشبيك في إطارها قد اتسعت. فقديما كنا بالكاد نتعرف على مفهوم المجموعة البريدية Group باعتباره المفهوم الأكثر انتشارا، يليه مفهوم Match. أما اليوم فقد صار لكل تطبيق إنترنت شبكته الخاصة، ولكل درجة انتماء شبكتها الخاصة، ولكل رمز بشري وغير بشري شبكته الخاصة. والأكثر من هذا أن دعوة الفرد لمجموعة من أصدقائه يجعلهم شركاء في دائرة تشبيك الصداقة بصورة تلقائية. ويمكن لأي مستخدم لهذه النوعية من مواقع الجيل الرابع أن ينشئ أية دائرة تشبيك يشاء. من المفاهيم المهمة جدا في صدد إنشاء أي موقع تشبيكي هي الخصوصية. وهو مفهوم يعني حماية أية بيانات تخص مستخدم الموقع؛ سواء أكانت بياناته الشخصية أو أصدقاؤه أو أنشطته. لكن الأكثر أهمية وإشباعا للإنسان العربي في فيس بوك أنه جعل هذا التواصل عبر أشكال متجددة وثرية وقوية المحتوى عبر ما يمكن تسميته بمنصة التطبيقات أو Application Platform. شكل منصة Platform لإنتاج تطبيقات تفاعلية تشبيكية صغيرة الحجم، ولم يقف الموقع عند حدود توفير هذه التطبيقات؛ بل تتوفر أيضا إمكانية تزويد المستخدمين للموقع بتطبيقات تفاعلية تشبيكية من بنات أفكارهم، مع سماح بنية الموقع باستقبال التطبيقات الجديدة بدون مشكلات تقنية. والتطور الأهم في هذه السمة الآن يتمثل في أن هذه المنصة تتيح الفرصة للمستخدمين بتكوين برامجهم التشبيكية الخاصة عبر إيجاد نمط أو أكثر من التطبيقات القابلة للتقييف Customization وتغيير المحتوى.

وهناك عدد كبير من التطبيقات التي يمكن لمستخدمي الموقع تطويرها وإضافتها، وتتركز هذه التطبيقات في مجال التطبيقات التي تستوعب الصور بصفة خاصة، وهي تطبيقات يمكن للمستخدمين استيعابها لإنتاج تطبيقات جديدة محدودة في مجال تقديم أشكال تعبيرية جديدة، أو تطبيقات للهدايا أو للحيوانات أو للطيور أو للورود أو لأغلفة الكتب أو للأطعمة. وهذه البرمجيات تعكس ثقافات صانعها. فمع هجمة الأسيويين المسلمين على موقع مثل Face Book وجدنا أن البرمجيات المتعلقة بالثقافة الأسيوية زادت بدرجة كبيرة. أما النوع الثاني الشائع فيتمثل في تطبيقات API التي تتيح تجميع الأخبار والعروض الكتب من مواقع يتم تحديدها سلفا عن طريق مطور التطبيق.

ولا شك في أن الحديث عن هذا المستوى من التشبيك يجعل من الضروري الحديث عن الخصوصية التي يتعامل في إطارها فيس بوك على ثلاث مستويات، أولها الخصوصية في مواجهة التطبيقات؛ حيث إن المعروف أن التطبيقات يمكنها الوصول للبيانات الشخصية للمستخدمين، ومن خلال هذا الوصول يمكن لأي أحد أو جهة التعرف على بيانات هذا الشخص. ومن هنا فإن أول معاني الخصوصية المتوفرة بمواقع الجيل الرابع أنها تمنح المستخدم حق الخصوصية في مواجهة التطبيقات، بحيث تتعرف التطبيقات على بياناته وأنشطته لكن لا تشاركها إلا بإذنه المباشر المتمثل في مربع الموافقة. وثاني مستويات الخصوصية تلك الخصوصية في مواجهة الأعضاء؛ فقد يكون المستخدم عضوا في أكثر من دائرة تشبيك، وليكن العائلة من ناحية والأصدقاء من ناحية ثانية، وهو لا يريد لدائرة الأصدقاء الاطلاع على نشاطاته العائلية، ناهيكم عمن لا يدخلون ضمن دوائر تشبيكه. وبهذا يكون للمستخدم أكثر من دائرة تشبيك يتحرك فيها بحريته. أما ثالث مستويات الخصوصية فهي الخصوصية في مواجهة الموقع ورغباته الاقتصادية (الإعلانات). حيث يمنح الموقع حصانة لبياناته من الاستخدام التجاري، وبخاصة الإعلاني، باستثناء تلك الإعلانات التي تتبع الآي بي الخاص بكل جهاز. ولا شك في أن الشباب العربي سينبهر بهذا المستوى الرفيع من احترام الخصوصية وتقديرها برغم أنها لا تزال منقوصة بعض الشئ. ومرد ذلك الانبهار إلى افتقار البيئة العربية لمثل هذا التقديس فيما يتعلق بخصوصيات الشباب، فهي خصوصيات منتهكة دوما على مستوى الأسرة والشارع والحكومة.

هذا عن فيس بوك وما يقدمه من إغواء للشباب العربي. فماذا عن الشباب العربي نفسه على فيس بوك من جهة البيانات الأولية. ومن خلال البيانات المتاحة يمكننا الإشارة إلى أن مستخدمي في العالم العربي فنجد عددهم يبلغ 31.638.640 نسمة، منهم 20.115.440 نسمة في الجناح الأفريقي، و11.523.200 نسمة في الجناح الأسيوي. والمرتبة الأولى من حيث الاستخدام الفعلي للعرب هي للسعودية في المرتبة الأولى، ثم كلا من مصر والمغرب في المرتبة الثانية ثم السودان، تليها الجزائر ثم الإمارات. أما عن نسبة الزيادة والتوسع في استخدام الإنترنت فتأتي في إطارها الصومال في المرتبة الأولى تليها السودان ثم المغرب ثم سوريا ثم الجزائر فالسعودية. وتبلغ الشريحة الشبابية الواقعة ما بين 18 و35 عاما ما نسبته 74% من جمهور الإنترنت. وهي الشريحة الأكثر أهمية بالنسبة لغالبية المواقع، وهي تكاد تكون الشريحة الحصرية التي تستهدفها الإنترنت الجديدة برغم أن هذه الإنترنت متاحة للجميع بموجب ديمقراطيتها التي أسلفنا الحديث عنها. ويبلغ عدد أعضاء موقع فيس بوك في أول عام 2008 حوالي 90 مليون عضوا ليسحب امتيازات العدد من المواقع في جميع أنحاء العالم؛ ومنها مواقع مثل AOL وMy Space التي شهدت مع توسع فيس بوك تراجع العضوية فيها بمعدل 10% في الوقت الذي يتنامى فيه معد التسجيل في فيس بوك؛ مما يعني أن توسع هذا الأخير يتم على حساب المواقع المنافسة. وحيث لا إحصائيات مؤكدة يوفرها موقع فيس بوك أسوة بعدد من المواقع التي يتسم أداؤها بدرجة شفافية عالية، تشير تقديرات الخبراء إلى أن من بين عدد مستخدمي الإنترنت من العرب البالغ عددهم حوالي 32 مليون مستخدما يبلغ تعداد العرب الأعضاء في موقع فيس بوك حوالي 6.4 مليون مستخدما، منهم في مصر وحدها 750 ألف مستخدم. هؤلاء الملايين الذين يزيدون على الستة هم من سنحاول تقديم قراءة في سمات حضورهم الثقافي.

ولكي يتفق الكاتب مع القارئ؛ فإن السمات الثقافية للحضور العربي على فيس بوك تعني أن ندرس محتوى ما يمارسه العرب على الفيس بوك من حالة قيمية تتعلق بتوجيه سلوكهم على فيس بوك. هذا يعني أننا لا نهمل أي جانب من الجوانب الحياتية العملية باعتباره أن مسماه بعيد عن مجال الثقافة، بل نعتبر أن جزءا من الحالة القيمية ينصرف لتأسيس نمط وعي ثقافي يحكم هذه المساحة من مساحات سلوكنا الاجتماعي على فيس بوك.


البنية التحتية للحضور العربي على فيس بوك

قبل الخوض في سمات الحضور الثقافي والاجتماعي العربي على فيس بوك؛ لابد من التعرف على البنية التحتية لهذا الحضور، وأن نقدم خلفية إحصائية حول هذا الحضور. والبنية التحتية كما نرتئيها تتمثل فيما يوفره فيس بوك من أهم خصائصه التي تميز بها عن غيره من المواقع؛ والتي تتمثل في توفيره منصة تطبيقات ويب عظيمة القيمة صغيرة الوزن في آن. هذه المنصة لا تتوفر بالموقع منذ لحظة اكتساب الفرد عضويته، بل يتولى الفرد بنفسه بناء مجموعة التطبيقات التي يريد التعاطي معها. ومن هذه اللحظة يمكن الشروع في دراسة البنية التحتية التي يستفيد بها العرب في صوغ سمات وملامح حضورهم الثقافي على فيس بوك. وبطبيعة الحال؛ لن يمكننا هنا تقديم دراسة مبنية على مسح حصري لكل الوجود العربي على فيس بوك، فرقم 6 مليون عضو لا يمكن تقصيه في مقال، ولكن يمكن القول بأن لدينا عينة عشوائية تبلغ حوالي 1500 عضوا؛ هذه العينة يمكن القول بأنها تمثل مختلف أطياف الحضور الشبابي العربي على هذا الموقع. فمنهم ذو التوجهات الثقافية النخبوية، ومنهم الشباب الذي يمكن اعتبارهم ممثلين لحالة رجل فيس بوك العادي – إن جاز لنا أن نقيس هذا المصطلح على مصطلح رجل الشارع العادي Lay Man.
ومن هذا المنطلق نبدأ لنقول بأن فيس بوك يملك حوالي 19 فئة من التطبيقات جلها من التطبيقات القائمة على مبدأ التشبيكي والبقية الباقية تعتمد نفس المبدأ التشبيكي والاجتماعي وإن كانت وظيفتها المركزية ليست التشبيك، هذه الفئات تتمثل فيما يلي: تطبيقات عرض الفيديو، وتطبيقات عرض الصور، وتطبيقات الاستماع للموسيقى، وتطبيقات أجندات الأحداث، وتطبيقات مجموعات الاهتمام، وتطبيقات التدريب، والدردشة، والمواعدة، والرياضة، والموضة، والألعاب، وتطبيقات عرض وجلب الأخبار السياسية، وتطبيقات تبادل الرسائل، وتطبيقات تداول وتشارك الملفات، وتطبيقات ذكريات السفر والرحلات، وتطبيقات استعراض الأطعمة والمشروبات، والتطبيقات ذات الطبيعة الاقتصادية، وتطبيقات الترفيه التي لا دلالة ثقافية لها في غالب الأحيان، وتطبيقات الهدايا التي تتعاظم أهميتها الثقافية، وتطبيقات التعبير عن الحالة النفسية.

ومن خلال استعراض العدد العشوائي من الأعضاء العرب (1500 عضوا) الذين تصفحت صفحاتهم الخاصة Profiles، والذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و35 عاما، عبر فترة ليست بالقصيرة من الزمن، يمكن القول بأن أكثر التطبيقات شيوعا لدى هؤلاء تتمثل في تطبيقات عرض الفيديو التي تنتشر بصورة مطلقة 100% بين العينة، توازيها تطبيقات تبادل الرسائل 100%، توازيها تطبيقات عرض الرسائل 100%، تليها تطبيقات الترفيه بحضور يبلغ 80% من العينة، ثم تطبيقات الهدايا بنسبة 70%، تليها تطبيقات المواعدة التي تنتشر لدى 57% من العينة، ثم تطبيقات مجموعات الاهتمام التي تحضر بين العينة بنسبة 35%، ثم تطبيقات الأحداث بنسبة 30%، وتوازيها تطبيقات التعبير عن الحالة النفسية (نصوص – رسوم جرافيك تعبيرية Emotions). بينما تكاد تختفي تطبيقات التدريب والعرض الصوت والموضة والتطبيقات الاقتصادية وتطبيقات الدردشة والرياضة وتبادل الملفات.


إطلالة عامة على الحضور العربي الثقافي والاجتماعي

لو تابعنا بعض تفاصيل حضور هذه الفئات من تطبيقات التشبيك وعرض المحتوى على فيس بوك لدى الحضور العربي؛ وذلك خلال فترة تصل إلى 6 أشهر من الزمن، سنجد أن التطبيقات التي تبرز الحضور الثقافي تتمثل في تطبيقات عرض الصوت والصورة والفيديو والرسائل والهدايا، نجد لها ما لمسناه من حضور ذو وزن عالي في الصفحات الشخصية للعينة، لكن لابد من القول بأن هذا الحضور الطاغي لهذه التطبيقات لم يترجم نفسه في صورة حضور ذاتي ثقافي واجتماعي.

فمن خلال وقفة تأمل للمحتوى الذي يتم عرضه في تطبيقات عرض الفيديو لدى العينة محل التأمل نجد أن المعروض في هذه التطبيقات تبلغ نسبة الحضور الأجنبي فيه 65% بينما نسبة الحضور العربي لا تزيد على 35%. ويغلب على هذه النسبة 35% أن تكون لقطات تسجيلية أو ملفات فلاشية تتضمن عبارات وصور دينية وتربوية. وغالبية الفيديو الذي يمكن القول بأنه يشكل 20% من نسبة الحضور العربي في تطبيقات عرض الفيديو تكون تسجيلية ذات طابع سياسي. بينما نجد أن تطبيقات عرض الصور تبلغ نسبة الصور الشخصية فيها 50%، والترفيهية 20%؛ بما في ذلك مساحة من الصور الإباحية الطابع، ونفس النسبة نجدها لصور تحمل عبارات دينية يغلب عليها أن تكون إسلامية مع حضور متواضع للصور التي تحمل عبارات مسيحية، وأخيرا تتبقى 10% من الصور التي يمكن القول بأن جلها الأعظم صورا سياسية.

أما تطبيقات عرض الرسائل فتتراوح نسبة الرسائل الشخصية فيها ما بين 30% إلى 35%، وتبلغ نسبة الرسائل الوعظية فيها حوالي 25%، والرسائل السياسية 20%، ورسائل إعلانية 10%، توازيها نسبة رسائل التطبيقات الأخرى 10%. ومجمل رسائل الوعظ والسياسة تكون بالنص العربي، مما يجعل تأثيرها وفاعليتها داخل مساحة العضوية التي تفهم اللغة العربية.

ومن الأمور المهمة التي لابد من أن نلفت الانتباه إليها أن تطبيقات الهدايا تحمل دلالات ثقافية عدة. فخلال فترة تركيز الكاتب على تصفح موقع فيس بوك، والتي استغرقت ما يربو على 6 أشهر، وجدت أن نسبة 60% من تطبيقات الهدايا تحمل طابعا ثقافيا. وخلال الفترة المذكورة شهد الكاتب هجمة تطبيقات آسيوية غزت موقع فيس بوك، وكانت هذه التطبيقات من صنع مستخدمين عاديين وليست من صنع مطوري برامج، وغلب على هذه التطبيقات أن تكون تطبيقات صور، لكنها كانت متفاوتة الوظائف. فبعض هذه التطبيقات صور لأكلات شعبية في مختلف دول شرق وجنوب آسيا، وبعضها كان صورا لمعالم سياحية بهذه الدول، وبعضها كان صورا لهدايا تذكارية لا يمكن لأي سائح يزور هذه الأماكن أن يغادر من دون الحصول على تذكارات منها، وبعضها صور لعادات شعبية مثل الملابس اليابانية المميزة لفتيات الجيشا في اليابان أو بعض الرياضات محلية الطابع مثل رياضة السومو، وبعضها كان صورا لما يجسد بعض الخصائص السكانية، ولعل أهمها صور لفتيات آسيويات؛ بعضها إباحي فاضح – كليا أو جزئيا - وبعضها محتشم يشير للجمال العام لشكل سكان هذا الجزء من العالم من دون إثارة.. إلخ. فكما سبق وقلنا نجد أن هذه التطبيقات حاضرة عند 70% من العينة، لكن نسبة إضافة الجديد لهذه التطبيقات كانت محدودة جدا. فالمصريون فقط هم من أنتجوا تطبيق أو تطبيقين يعكس مصريتهم، أما بقية المنتمين لدول عربية أخرى لم ينتجوا سوى عبارات المجاملة الاجتماعية والدينية: إسلامية ومسيحية، بما لا يكافئ نسبة حضورهم العددي. ولو أننا عرفنا أن نسبة العرب لإجمالي أعضاء فيس بوك هو 7%؛ فإننا يمكن أن نشير إلى أن إسهامهم في تحميل تطبيقات الهدايا بقيمهم الثقافية لا يكاد يبلغ 2%.

وفي المقابل، فإن تطبيقات المواعدة والترفيه التي تنتشر بين 80% من إجمالي العينة هي تطبيقات تحمل كلها الطابع الغربي، وإن كان الحضور العربي بها كثيفا. وفيما يلي من عرضنا للسمات سنعرج على هذه المسألة بقدر من التفصيل لا يتسع له المجال في بند إطلالة عامة.
لكن لو نظرنا لبعض التطبيقات الثقافية الصرفة مثل تطبيقات عروض الكتب، وتطبيقات التعليم والتدريب، لا نكاد نجد الإسهام العربي فيها يتعدى 1%؛ سواء أكان هذا الإسهام مجرد استحضار للتطبيقات أو كان مشاركة مباشرة.

لكن لا يفوتنا أن نضيف أن التطبيقات الثقافية الأكثر حضورا في الأوساط العربية هي التطبيقات التي تتعلق بالأحداث ومجموعات الاهتمام، وهي وإن كانت حاضرة لدى نسبة % من العينة، إلا أنهم يتعاملون معها بدرجة كثافة تجعل إسهامها في الوزن الثقافي العربي يفوق الوزن النسبي لحضورها. فلو كانت نسبة حضورهما تتراوح ما بين 30% و35% من بين إجمالي الجمهور العربي، إلا أن كثافة استخدامهما يمكن أن تبلغ 50% من إجمالي توظيف التطبيقات ما بين أعضاء العينة محل النظر.


سمات الحضور العربي: اجتهاد

في هذا الجزء أحاول أن أرصد مجموعة من السمات العامة للحضور العربي على فيس بوك اجتماعيا وثقافيا. وأود أن أضيف أن منهجي كتابة هذا الجزء مكون من أداتين أولاهما الملاحظة المباشرة، وثانيهما من خلال بعض الحوارات التي تبادلتها خلال تجوالي في فيس بوك مع بعض أعضائه. غير أن الأهم الذي أود الإشارة إليه أني حاولت قدر طاقتي أن أكون موضوعيا؛ لكن برغم هذا لا أدعي أن 1500 حالة من بين أكثر من 6 مليون حالة يمكن أن تكون مصدرا لإضعاف القول بأن هذه السمات موضوعية. ولهذا عنونت هذا الجزء من المقال بأنه محض اجتهاد تحرى بعض العلمية – احتراما لعقل القارئ وتقديره - لكنه قصر عن أن يكون علميا بدرجة صدقية وتعميم عالية، ولا يخفى أن في الإفصاح عن وجه القصور هذا تعبير عن عمق تقدير الكاتب لعقل القارئ.

أ – يمكن القول بصفة عامة بوجود انقسام بين الشباب العربي في فيس بوك بين استخدام هذا الموقع في إطار هدف اجتماعي، وبين استخدامي لتحقيق هدف نفسي. والهدف النفسي يتمثل في استخدام الموقع لغرض الترفيه والتواصل الممتع؛ سواء أكان هذا الإمتاع بدلالته الجنسية أو بدلالته التي تحملها التطبيقات الشيقة التي يعرضها فيس بوك. وتبلغ نسبة مستخدمي فيس بوك لغرض الترفيه والتواصل الممتع قرابة 60% من الشباب العربي المستخدم للموقع. أما الجانب الآخر من الاستخدام فيتوجه للاستخدام ذي الطبيعة الاجتماعية، والذي يغلب عليه أن يكون إما السياسة والإصلاح السياسي في الوسط العربي، أو التبشير بالدين والدعوة إليه والتذكير بتعاليمه واستحضاره في التعامل على مستوى البيئة الافتراضية، أو في الحث على فعل الخير ومباشرة النشاط الإغاثي المتمثل في مساعدة الفقراء وذوي الحاجة. ومن نافلة القول أن نشير إلى أن نسبة المتعامين مع فيس بوك من هذه الفئة يبلغون حوالي 40% من الشباب العربي.

ب – رصدت من خلال مطالعتي للعينة التي تجولت معها بموقع فيس بوك أن شريحة من المستخدمين لهذا الموقع في مجال الترفيه والتواصل الممتع إلى أن تعاملهم مع هذا الموقع لغرض التواصل يتم في إطار من الالتزام بالطابع المحافظ للثقافة العربية؛ بمعنى خلو نمط تعاملهم للتواصل من التواصل مع تطبيقات إباحية أو تطبيقات مواعدة لغرض اختراق الطابع المحافظ للمجتمع، وتبلغ نسبة هؤلاء حوالي 40% من نسبة 60% هم مستخدمو الموقع لغرض التواصل الممتع والترفيه (أي حوالي 20% من إجمالي مستخدمي الموقع من العرب). بينما النسبة المتبقية تتعامل مع فيس بوك باعتباره وسيلة للتواصل مع الجنس الآخر؛ سواء في إطار قومي أو في إطار يتجاوز حدود العالم العربي، ومن هؤلاء نسبة تبلغ 25% يستهلكوا المحتوى الجنسي الذي تقدمه هذه التطبيقات بصورة تحضر على صفحاتهم الشخصية على الموقع Profiles.

ج – من خلال بعض الحوارات التي دارت بيني وبين بعض الشباب المنتمين لهذه الشريحة التي تتعامل مع الموقع لغرض التواصل مع الجنس الآخر، علمت أن نسبة منهم كانت مهووسة في بداية تعاملها مع الموقع بالمحتوى الجنسي الذي تتيحه هذه التطبيقات، لكن هذا الهوس تراجع إلى حد كبير، وبخاصة بين أولئك الذي بدأ تواصلهم مع الجنس الآخر يقتصر على التعارف وتبادل النكات والمشاعر الاجتماعية العادية وتكوين الصداقات التي لا تتصاعد لدرجة ممارسة الجنس الافتراضي، بينما لا تزال نسبة 25% يستخدموا فيس بوك لممارسة الجنس الافتراضي، ولهذا النوع من الجنس حضوره بهذا الوزن في صفحاتهم الشخصية.

د – هناك اتجاه متنامي داخل فيس بوك لاستثمار هذا الموقع في مجال الإغاثة وعمل الخير. ويمكن القول بأن هؤلاء يمثلون 25% من مستخدمي الموقع لغرض تحقيق هدف اجتماعي. ويتحرك هؤلاء لتحقيق أهداف من قبيل تزويد الفقراء بأغطية تلائم برد الشتاء، والتبرع بالدم، وإطعام الفقراء، والتبرع للجمعيات والمنظمات التي تساعد الفقراء.

هـ - ومن الشريحة التي تستخدم فيس بوك أيضا لتحقيق غرض اجتماعي نجد تلك الشرائح التي تنشط لتحقيق أهداف توعية سياسية، وتنتشر هذه الشريحة في دول قلب وشرق العالم العربي، وتكاد تقتصر في أفريقيا على مصر، بينما في الخليج نجد بينهم سعوديون وعراقيون وكويتيون ويمنيون. ولا يعني هذا نفي حضور النشاط السياسي عن كل الدول العربية، لكن المؤشرات التي سقناها هي تلك الحالات التي تعكس توهجا في الحضور. وبعض الحضور العرب في هذا الصدد ناشطون حقوقيون معروفون في العالم العربي يحاولون استثمار إمكانات هذا الموقع لتكوين رأي عام عربي موات لفكر نقد ومراجعة التصرفات الاستبدادية والمشينة لبعض الحكام، وحتى تلك الدول التي لا تقترف حكوماتها تصرفات مشينة نجد النشاط السياسي المرتبط بها على فيس بوك يكتفي بالمطالبة بتوسيع نطاق الحريات. ويقترن بهذا النشاط المعارض نشاط محدود موال للحكومات، وتبلغ نسبة المنخرطين في الأنشطة السياسية والأنشطة الثقافية المرتبطة بتوفير مردود سياسي حوالي 25% ممن يستخدمون الموقع لغرض تحقيق هدف اجتماعي.

و – وينضم أيضا لفئة مستخدمي موقع فيس بوك لغرض تحقيق هدف اجتماعي أولئك الناشطين من كل الدول الذين يستخدمون فيس بوك تحت لافتة دينية، ونسبة المسلمين منهم تبلغ حوالي 95%؛ بينما 5% فقط من المسيحيين، وهو أمر ربما يرتبط بالحضور العددي للمسيحيين العرب على مستوى العالم العربي. ويبلغ إجمالي من يرفعون اللافتات الدينية حوالي 20% من مستخدمي الموقع من العرب لغرض تحقيق هدف اجتماعي. وتجدر الإشارة إلى أن تقسيم مستخدمي الموقع لغرض تحقيق هدف اجتماعي بين هذه الفئات الثلاثة لا يعني أن هذه الفئات منفصلة كل على حدة، بل هناك تداخل بين نشطاء سياسيين يرفعون اللافتة الإسلامية ونشطاء إغاثيين يرفعون اللافتة الإسلامية، ونشطاء يرفعون اللافتة الدينية المحضة. ويندر بين المسيحيين العرب أعضاء فيس بوك أن نجد من يقرن اللافتة الدينية باللافتة السياسية، لكن ليس نادرا أن نجد مسيحيين يرفعون اللافتة الإغاثية.

وبعد، كانت هذه قراءة في أهم وأبرز سمات الحضور الثقافي والاجتماعي للعرب على موقع فيس بوك. ويمكن القول بأن مساحة استخدام الموقع لغرض تحقيق هدف اجتماعي مرشحة للزيادة والارتفاع، وبخاصة مع استمرار تعرف الشباب العربي على الإمكانات التدريبية والتعليمية لهذا الموقع، وأيضا في إطار تسارع معدل التراكم التقني الذي يجعل هذا الموقع ممتعا في التعامل معه لأي غرض كان ترفيهيا أو اجتماعيا أو تعليميا تدريبيا.