تهدف هذه المدونة للتعريف بإنتاج وحدة البحوث والتطوير بشركة ميديا إنترناشيونال.. أحد بيوت الخبرة العربية في مجال الإعلام الجديد..

السبت، 24 يناير 2009

الإنترنت الجديدة والنضال من لأجل الشفافية والإتاحة المعلوماتية..


تحاول هذه الدراسة أن تجيب على التساؤلات التالية: الأول هو: هل أضافت الإنترنت الجديدة جديدا للنضال من أجل الإتاحة المعلوماتية Access to Information من حيث آليات الإتاحة وآليات التوصيل؟ والسؤال الثاني هو: ما اقترابات تناول الإتاحة المعلوماتية وما تمثله من قيد على مبدأ المعلوماتية؟ أما السؤال الثالث فيتمثل فيما يلي: هل غيرت الإنترنت الجديدة خريطة تدفق النضال من أجل الإتاحة المعلوماتية؟ وأخيرا، ما مساحة التجاوزات ضمن التطور في نماذج النضال من أجل الإتاحة المعلوماتية؟

لقد أضاف الإعلام الجديد لخواص قضية الإتاحة المعلوماتية أبعادا عديدة؛ بعضها إيجابي والبعض الآخر سلبي؛ فيما يخص الإتاحة ومساحتها ونماذج النضال المدني في سبيلها، سواء من حيث الإتاحة للبث أو من حيث الإتاحة للتداول. وكانت هذه الإمكانات من القوة والظرفية بحيث يمكن القول بأن ثورة في منظور النضال لأجل الإتاحة المعلوماتية قد برزت لحيز الوجود، برغم اشتمال تطبيقاتها على خروقات أخلاقية كثيرة غير مقبولة. فما هي إمكانات الإتاحة؟ وما أبعاد تأثيرها على النضال لأجل الإتاحة المعلوماتية؟ إجابة هذه الأسئلة سنجدها في العناصر المذكورة تاليا في هذه الدراسة.


القسم الأول: الإنترنت الجديدة والإتاحة المعلوماتية

لم تعد الإنترنت اليوم كسابق عهدها من حيث ديمقراطيتها. ويمكن القول بأن الإنترنت القديمة كانت لا تزال تتحرك بيننا منذ 1994 وحتى 2001 بمنطق النخبة ذات الخصائص الرأسمالية، حيث كان بث المواقع مرتبطا بتوفر السيولة المالية اللازمة لإطلاق موقع وإنجاز محتواه، وكانت مواقع الإنترنت في غالبها مواقع تعريف Brochure Sites وكانت مواقع المحتوى Content Sites قلة مقارنة بمواقع التعريف، وكانت مواقع خدمات الإتاحة المعلوماتية. ولا مندوحة في هذه النزعة التي يمكننا تسميتها بالبرجوازية الإليكترونية؛ فتدخل رأس المال مهم؛ وهو ما أسفر عن قدر هائل من التطور التقني، لكن هذا المنطق لا يتقاطع مع تطلعنا الديمقراطي حيال الإنترنت (1).

في إطار هذا النزوع الديمقراطي للإنترنت الجديدة؛ نجد أن Web 2.0 قد تطورت في اتجاه توفير قدر عال من دعم الإتاحة المعلوماتية يمكن بإيجاز رصد عناصره فيما يلي:

أ – بث المحتوى حق للجميع: فالثقة بالمستخدم ومنحه محورية في إنتاج المحتوى صار من أهم سمات مواقع الإنترنت الجديدة. ولم تكن هذه الخطوة ممكنة إلا بتوفير أو خلق الثقة الكاملة للمستخدم للمساهمة في بناء هذه الخدمة. فالمدونات، ومواقع علامات تداول المواقع، ومواقع التطبيقات الاجتماعية، ومواقع المحتوى المصور ومحتوى الفيديو، والموسوعات المجانية وعلى رأسها موسوعة ويكيبيديا؛ كل هذه المواقع تمنح المستخدم الثقة الكاملة في استخدام النظام وبث أي محتوى يرغب ببثه ونشره، ومن بعد ذلك يأتي دور مراقبي المواقع أو المحررين لتصفية المحتويات التي تخالف قوانين هذه المواقع، وربما لا يأتي؛ وذلك بحسب طبيعة الموقع، فهي درجات من الثقة تبدأ بالثقة المبدئية وتنتهي في أحيان كثيرة بالثقة المطلقة (2).

ب – تعدد وسائط استيعاب المحتوى أونلاين: فبث المحتوى على الإنترنت له اتجاهين يمكن توضيحهما فيما يلي:

1 – البث لأجل النشر: فالمدونات، وغالبية مواقع بث الوسائط المتعددة كالصور Flickr والفيديو You Tube والملفات الفلاشية Meta Café والصوتية ، والموسوعات المجانية، هذه النوعية من المواقع تستقبل المحتوى لأجل نشره بحيث يتسنى لكل مهتم البحث عنه والاطلاع عليه (3). وقد أدت هذه المواقع خدمات حقوقية جليلة (4).

2 – البث لأجل التداول: البث لأجل التداول يختلف عن البث لأجل النشر من حيث أن الأول ليس دوره كشف المعلومات على العامة؛ مما يؤدي لتسارع جهود إحباط النشر في حالة إصرار جهة ما على كتمان هذه المعلومة. فدور البث لأجل التداول يجعل المعلومة متاحة لمن يختارهم القائم بنشر المعلومة فقط. ففي مواقع التخزين أونلاين Web Drives مثل Mega Upload أو Rapid Share؛ نجد أن الهدف هو تحميل المعلومة أونلاين وانتقاء جهات موثوقة محددة للحصول عليها ونشرها على الملأ بحيث يتعذر بعد ذلك إخفاؤها (5).

ج – القدرة التخزينية العالية: من أهم خواص الإنترنت التي تميزه عن غيره من الوسائط الإعلامية تلك القدرة الأرشيفية العالية التي تمكن مستخدم الإنترنت من الحصول على المحتوى الذي يريد من الإنترنت طالما أن هذا المحتوى لا يزال قيد البث، وطالما أنه أيضا لا يتسم بدرجة عالية من الخصوصية. وبالرغم من هذه الإتاحة العالية؛ إلا أن تضخم إنتاج المحتوى على الإنترنت سيؤدي لتقليص هذه القدرة (6)، وهو ما قد يعيد – في المدى المتوسط – ربط عملية الأرشفة بقوة المال.

د – توصيل المعلومة عند أقدام المهتم: أحد خصائص مواقع الويب 2.0 هو إمكانية نشر الخدمة خارج نطاق الموقع الذي يبث المحتوى، وذلك عبر تقنيات مثلRSS وATOM وغيرها من التقنيات يمكن من خلالها إيصال محتوى الخدمة خارج نطاق الموقع. ويسمى هذا المصطلح بقابلية توصيل الخدمة Service Hackability، وهو ما يجعل المحتوى الهائل الذي يقدر اليوم بالإكزابايت (7) سهل المنال وفق الخصائص التي نختارها بإعدادات التطبيقات الخاصة بتوصيل الخدمة (8).

هـ - صاحب المحتوى المجهول: لا يزال بإمكان مستخدم الإنترنت أن يخفي هويته. وعندما يتعلق الأمر بمواجهة قوى نافذة تحاول التحفظ على الإتاحة المعلوماتية تصبح هذه الخاصية مهمة. وبرغم أن النضال موقف ينبغي على صاحبه إثباته؛ إلا أن ظروفا قد تخلق دوافع مختلفة لدى باث المحتوى بإخفاء هويته، وهو الأمر الذي أصبح صعبا إلى حد كبير، لكنه ليس مستحيلا. فإتاحة التقنية وإتاحة الاتصال بالشبكة جعلت ثمة هامشا لتجاوز صرامة القواعد المتعلقة بالتعرف على المستخدم وهويته. والأدبيات في هذا الإطار كثيرة. لكن يجدر الانتباه إلى أن تجهيل المحتوى غير الموثق يجعل هذا المحتوى فاقد للصدقية؛ ما لم تتوفر سبل أخرى لتعزيز صدقيته. وهذا التحفظ واجب لمواجهة المعلومات غير الحقيقية التي تضر أكثر مما تنفع.

و – إمكانات الصدقية: الحديث عن إمكانات الصدقية يمكن تناوله على محورين يمكن توضيحهما فيما يلي:

1 – إمكانات الصدقية المتعلقة بطبيعة الوسيط: فكل وسيط من وسائط النشر: نص – صوت – صورة – فيديو؛ كل نوع يرتبط بدرجة صدقية خاصة به. وترتفع درجة صدقية محتوى الفيديو بصورة قوية بينما يحتل النص أقل درجة صدقية بين كل هذه الوسائط.

2 – إمكانات الإتاحة الخاصة بالمحتوى نفسه: فالوثائق التي تصدرها مؤسسة معلوماتية معينة يمكن أن تكون لها بصمة خاصة بها متمثلة في توقيع شخص نافذ أو وجود لوجو صعب التقليد أو غيره من صور التوثيق. وتؤدي المطابقة بين البصمة والأصل إلى تعزيز صدقية البيان المنشور. كما أن العلاقة مع المحتوى المنشور من حيث استجابات أطراف أزمة الإتاحة مما يعزز صدقية هذه النوعية من المعلومات.

3 – إمكانات الصدقية المرتبطة بمعرفة القائم بالاتصال والبث: فمعرفة بعض الأطراف التي تداولت المحتوى المنشور أو المتداول بالقائم بالبث والاتصال يكون من أهم أنماط تعزيز صدقية المعلومات. ويبقى دور الإنترنت الجديدة وتطبيقاتها في تعزيز الثقة في وثاقة علاقة المصدر بوسيلة توصيل المعلومة.

ز – التشبيك ودلالته في الإتاحة: لم يعد التشبيك قيمة هامشية في تطبيقات الإنترنت الجديدة، بل صار مركزا، خاصة مع اعتماد ويب 2.0 على قواعد البيانات المختلفة الخصائص، مما جعل التواصل عملية ميسرة من أبعاد مختلفة، وصار كل بيان أو معلومة محلا محتملا لإنتاج دائرة تشبيك تخصه. فنوعية المعلومات صارت محلا محتملا للتشبيك ولإنتاج دوائر تشبيك جديدة مثل المهتمين بمتابعة الحالات الحقوقية المختلفة (9)، والهوايات والاهتمامات ودوائر الهوية وحتى البيانات الشخصية كيوم الميلاد وغيره؛ هذا فضلا عن قيمة التشبيك والتواصل كقيمة في ذاتها (10). وعلى هذا فإن إتاحة المعلومة مرتبط في نفس الوقت بوصولها لجمهورها. وهذا ما يجعل محاصرة تسرب المعلومة ونشرها عملية صعبة إن لم تكن مستحيلة.

وختما لهذا الجزء يجدر بي أن أشير إلى أن كل الخصائص التي تحدثت عنها ربما لا تخص ويب 2.0 وحدها، بل تخص الإنترنت القديمة WWW أيضا، لكني قدمت هذا العرض المتداخل استنادا إلى أن القضية المركزية في هذا البحث ليست الإنترنت ولكن الخصائص الداعمة للإتاحة المعلوماتية فيها. وعلى هذا أضيف أيضا أن هذه ليست كلها خصائص الإنترنت، بل ما يعنينا منها فيما يتعلق بالإتاحة المعلوماتية (11).


القسم الثاني: الاقترابات المختلفة من المبدأ وتداعياتها

تتعدد الاقترابات التي يتم بها الاقتراب من قضية الإتاحة المعلوماتية. ولدينا أربع اقترابات أساسية هي: اقتراب الملكية الفكرية، واقتراب حرية التعبير، واقتراب مكافحة الفساد، واقتراب احتياج بعض المعلومات للسرية. وفيما يلي نعرض لتأثير هذه الاقترابات على قضية الإتاحة المعلوماتية.

أ – اقتراب الملكية الفكرية: كل طرف منتج للمعلومة ينتج المعلومة إما للمجال العام أو الخاص. ولابد من تقدير أهمية الخصوصية واعتبارها حقا يجب احترامه. أما إنتاج للمجال العام فأمره يختلف.

وينقسم الإنتاج المعلوماتي للمجال العام لقسمين من المعلومات، أولهما تلك المعلومات التي تتعلق بعموم الناس، وثانيهما تلك المعلومات التي تتعلق بأعمال الفكر الإبداعية أي الاختراعات والمصنفات الأدبية والفنية والرموز والأسماء والصور والنماذج والرسوم الصناعية. وتلك المعلومات الأخيرة يطلق عليها الخبراء موضوعات الملكية الفكرية. وتنقسم الملكية الفكرية إلى فئتين هما الملكية الصناعية التي تشمل الاختراعات (البراءات) والعلامات التجارية والرسوم والنماذج الصناعية وبيانات المصدر الجغرافية من جهة وحق المؤلف الذي يضم المصنفات الأدبية والفنية كالروايات والقصائد والمسرحيات والأفلام والألحان الموسيقية والرسوم واللوحات والصور الشمسية والتماثيل والتصميمات الهندسية من جهة أخرى . وتتضمن الحقوق المجاورة لحق المؤلف حقوق فناني الأداء المتعلقة بأدائهم وحقوق منتجي التسجيلات الصوتية المرتبطة بتسجيلاتهم وحقوق هيئات الإذاعة المتصلة ببرامج الراديو والتلفزيون (12). وهذه المجالات هي موضوع مجال الملكية الفكرية Intellectual Property.

ولا يعد قيد الملكية الفكرية – من وجهة نظر الباحث – قيدا على الإتاحة المعلوماتية؛ حيث إن طبيعة المعلومات موضوع كل منهما يختلف اختلافا كبيرا. وبرغم النية الحسنة التي تقف وراء اتفاقية الملكية الفكرية، وتتلخص في الحفاظ على حقوق المبدع وتأمين مناخ محفز على الابتكار، إلا أنها تؤدي أيضاً إلى نتائج من الصعب قبولها. فمثلاً حرمت شروط الملكية الفكرية المفروضة على أدوية الإيدز الدول الفقيرة من إعادة إنتاجها بأثمان مناسبة، مما أدى إلى زيادة أعداد المصابين بهذا المرض. كما قللت شروط الملكية الفكرية من فرص حصول الفقراء على المعرفة العلمية، لعدم استطاعتهم دفع ثمن الإطلاع عليها. والنتيجة الأكثر سلبية هي ربط المعرفة بالاستهلاك، وإضعاف مفهوم الإنتاج المشترك (13).

إلا أن هذا لا يمنعنا من احترام حق الشركات في الاستفادة من تخصيصها أموالا طائلة لصالح مساحة البحث العلمي. فتجاوز احترام هذه الملكية يؤدي لتراجع مساحة البحث العلمي في هذه المساحات. ويضاف إلى هذا أن ثمة سبل أخرى يمكن في إطارها تجاوز التحفظ على هذين النوعين من براءات الاختراع، ما يتمثل في إمكان قيام دول أو منظمات دولية غير هادفة للربح بشراء براءات الاختراع، أو المبادرات الفردية التي نشجع المنظمات والأفراد أصحاب براءات الاختراع على اتخاذها لمواجهة الحالات الإنسانية.

ب – اقتراب حرية التعبير: الاقتراب الثاني من قضية الإتاحة المعلوماتية يتمثل في اقتراب حرية التعبير الذي تعاملت به القمة العالمية لمجتمع المعلومات في تناولها لقضية الإتاحة المعلوماتية، حيث تناولت القضية من خلاله في إطار حديث إعلان مبادئها عن حرية التعبير، حيث خلص المجتمعون بالقمة إلى ما نصه: ".نحن نؤكد على أن كل فرد يتمتع بحق الحرية في الرأي والتعبير، كمبدأ جوهري من مبادئ مجتمع المعلومات، وبالاستناد إلى نص المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ويتضمن هذا الحق حرية إبداء الرأي من دون أية تدخلات، وحرية البحث عن المعلومات والأفكار وتلقيها والإفصاح عنها عبر أية وسيلة إعلامية، وبدون اعتبار للحدود"(14). ولعل الصورة تتضح أكثر عندما نسرد بقية الفقرة التي عنيت بهذه المساحة، حيث يكمل الإعلان قوله: " إن الاتصال مبدأ أساسي في العملية الاجتماعية، إنه أمر مركزي بالنسبة لمجتمع المعلومات. وكل فرد، في كل مكان، يجب أن تتاح له الفرصة ليشارك، ولا ينبغي استبعاد أي فرد من التمتع بعوائد وعطايا مجتمع المعلومات" (15).

وإن كان ثمة أمر واضح في هذا الإعلان فإنه يتمثل في حديثه عن حرية التعبير التي تختلف في جوهرها عن الإتاحة المعلوماتية التي نحن بصددها، وإن كان تحليل النص يفضي لإمكان استيعابه قضية الإتاحة المعلوماتية، وإن لم ينص عليها بصورة قاطعة. وواضح أنه ليس بيد قمة مجتمع المعلومات أن تخاطب جهة إصدار المعلومات التي تتعلق بالمجال العام؛ إن دولية أو قطرية. وواضح أن الاهتمام الحقوقي يتجه نحو قضية الإتاحة بقدر ما توجهه النشط نحو قضية حرية التعبير.

ج – اقتراب مكافحة الفساد: وثمة اقتراب آخر من ظاهرة الإتاحة المعلوماتية؛ ألا وهو اقتراب مكافحة الفساد. والتعبير العالمي عن هذا الاقتراب يتمثل في منظمة الشفافية العالمية Transparency International التي ترى أن مهمتها تتمثل في توحيد العالمين معا في تحالف قوي لإنهاء ظواهر الفساد وتأثيره المدمر على البشرية (16).

ولابد من الإشارة إلى أن اقتراب حرية التعبير واقتراب مكافحة الفساد اقترابين محدودين جدا فيما يتعلق بالإتاحة المعلوماتية التي ينبغي أن تكون الأساس في وجود المعلومة والتعامل معها. فالاعتبارات السياسية وحدها تحفل بسجل هائل من الاعتبارات التي يمكن للإتاحة المعلوماتية أن تلعب فيها دورا كبيرا لصالح الإنسان وحقوقه، وهي لا تتصل مباشرة بمنهجي الحرية في التعبير ومكافحة الفساد.

د – اقتراب التصنيف الأمني للمعلومات: تعرف الإدارة الحكومية مفهوم المعلومات السرية. وهذه المعلومات جرى العرف على أنها تصنف سرية Classified Information عندما يهدد تداولها أو الاطلاع عليها الأمن القومي للدولة. ويحدد القانون الداخلي للدول مراتب سرية المعلومات وفقا لخطورتها؛ كما يحدد تحديدا بالصفة أولئك الأشخاص الذين يحق لهم الاطلاع على كل رتبة من رتب هذه المعلومات، والإجراءات القانونية المرتبطة بالاطلاع عليها (17). وهذه الإجراءات ربما تمتد لبعض المنظمات الاقتصادية (الشركات الكبرى)، أو لبعض المنظمات الدولية ذات الطبيعة الأمنية أو السياسية، وذلك وفق النظم الأساسية واللوائح الخاصة بهذه الشركات والمنظمات.

وفيما يتعلق بهذا الاقتراب نجد أن الوضع القانوني لمبدأ الإتاحة المعلوماتية المرتبط به ما يتمثل في قوانين حرية المعلومات، منتشر فيما يربو على 60 دولة تبدأ بالسويد (الأقدم في هذا الصدد) والولايات المتحدة، وتمتد حتى تشمل دولا مثل ألبانيا وزيمبابوي وأوغندة، مع تفاوت في الفاعلية بين هذه الدول؛ حيث تحالفات السياسة مع رأس المال تكون فاعلة في الضغط لإخفاء المعلومات عن المجال العام. وتُسمى هذه القوانين عادة بقوانين حرية المعلومات، وتهدف هذه القوانين إلى إتاحة المعلومات التي تحوزها الأجهزة الحكومية للعامة، كما تحدد الضوابط للوصول لهذه المعلومات. ويُعرف هذا القانون في الولايات المتحدة بقانون الشمس الساطعة Sunshine law أو السجلات المفتوحة Open Records (18).

ونتيجة للتعسف الذي يتذرع به الإدارات السياسية مستخدمة هذا الاقتراب: اقتراب السرية؛ فإن ثمة مبدأ أساسي في هذه النوعية من التشريعات يتمثل في أن عبء الإثبات في الادعاءات المعلوماتية يقع على عاتق الجهة التي من المفترض أن تحوز المعلومات وليس على طالب المعلومة. فطالب الإفصاح عن المعلومة ليس ملزما - عادة - بإعطاء تفسير لطلبهم إتاحة معلومات معينة. ولكن إن كانت المعلومات تصنف سرية وفق معايير معتبرة؛ فإن الجهة التي تطلب الإفصاح عن المعلومات عليها أن تقدم سببا وجيها للمطالبة (19). وتبقى القضية في دول الجنوب رهن الإرادة السياسية للإدارات الحاكمة، بما تتسم به هذه الإرادة من درجة إطلاق تعصف في بعض الأحيان بالحالة الحقوقية.


القسم الثالث: النضال العالمي لأجل الشفافية.. اتساع نطاق الممكن

في إطار الرؤية الكلاسيكية للإتاحة المعلوماتية، نجد أن الفاعل المركزي في النضال من أجل الإتاحة المعلوماتية هو الطرف الذي يحوز أهلية/شرعية اجتماعية أو ثقافية أو قانونية لتمثيل الجمهور (العلماء – المنظمات الحقوقية - الطرف المتضرر) في شتى الدول: شمالية أو جنوبية هو الذي يبادر بطلب الإتاحة المعلوماتية من الإدارة الحاكمة أو الشركة الاقتصادية أو المنظمة الدولية. وكانت نماذج Models النضال لأجل الإتاحة المعلوماتية تتمثل فيما يلي:

أ - أن تتقدم الجهات المدنية بطلب للحكومات أو لشركات أو للمنظمات الدولية الحائزة للمعلومات بطلب إتاحة المعلومات ذات الصلة.

ب – أن تستثمر بعض الجهات المدنية صلاتها الدولية للضغط من اجل إتاحة هذه المعلومات.

أما فيما يتعلق بالإنترنت الجديدة وتأثيراتها، فنجد أنها أضافت أمرا جوهريا لأدبيات النضال من اجل الإتاحة المعلوماتية. فلم يعد الفاعل المركزي في النضال من أجل الإتاحة المعلوماتية في مواجهة الشركات والإدارات الحاكمة والمنظمات الدولية ذلك الطرف الذي يحوز أهلية/شرعية اجتماعية أو ثقافية أو قانونية (العلماء – المنظمات الحقوقية - الطرف المتضرر) لتمثيل الجمهور وحسب، بل انضم إليهم في هذا الإطار أيضا فاعلون من داخل هذه الشركات والإدارات والمنظمات. أي أن الإتاحة صارت من الداخل أيضا وليس من الخارج فقط. وبعد أن كان نشر اللاعب الجديد للمعلومات التي حصل عليها بسبب طبيعة عمله قد يعرضه للتعقب بسبب طباعة المستندات أو تصويرها أو تسليمها لغير النزيهين من الإعلاميين. وتضافرت في هذا الإطار كل صور الإنفوميديا لدعم هذا النوع من أنواع الإتاحة من الداخل. وهذه القضية صارت بسبيلها إلى أن تصبح ثقافة عامة على الإنترنت. فقد رصدت وكالة رويترز وجود موقع يسمى "ويكيليكس" يشجع الموظفين الحكوميين على تسريب الأدلة عن الفساد والظلم في البلدان المختلفة. ومن المفترض أن يكون الموقع تقليدا لموقع ويكيبيديا دائرة المعارف على الإنترنت التي تعتمد على مساهمات مستخدمين لتشجيع مسربي الأسرار على التقدم بمعلومات. ويعتمد الموقع بصورة كاملة على المساهمات الطوعية لمحتواه، وسيجري إطلاقه رسميا خلال أشهر معدودة، وبدلا من تشجيع الجماهير العادية على إدخال المعلومات فإنه يطلب من المسؤولين نشر الوثائق الحكومية (20).

وتجدر الإشارة إلى أن دخول هذا اللاعب الجديد ارتبط بعاملين مهمين:

أ - غلب على هؤلاء الفاعلين أن ينشطوا في القضايا التي تمثل انتهاكا صارخا للقيم الأخلاقية. ومن أبرز أمارات هذا التوجه قيام مترجم بالجيش الأمريكي بتسريب ترجمة لكتيب التعليمات الخاص بمعتقلي جوانتانامو ونشره عبر الإنترنت، وهي التهمة التي حوكم عسكريا بسببها (21). ففي إطار رفض احتكار الأثرياء للتعامل في البورصة السعودية، ورغبة من بعض فاعلي الخير في إتاحة معلومات سوق المال للجميع، وجدنا هيئة سوق المال السعودية تعرب عن قلقها من تسريب معلومات في سوق الأسهم لتحقيق أرباح استثنائية وغير مشروعة عبر المنتديات السعودية (22).

ب – غلب على المجتمعات التي شهدت تكرار هذه الظواهر أن توفر توافق مجتمعي على رفض المسالك التي حدثت في إطارها الإتاحة المعلوماتية عبر التسريب. ومن بين القضايا تسريب معلومات عبر الإنترنت حول برمجيات تضيفها الإدارة السورية لمراقبة الإنترنت وتخريب إتاحتها (23). كما أعلنت مايكروسوفت كورب أن أجزاء من شفرة نظام التشغيل ويندوز الذي تحرص على حمايته تم تسريبه عبر الانترنت مما قد يعرض برامجها للاختراق أو للنسخ بصورة غير مشروعة (24).

غير أن هذين القيدين لم يمنعوا من وجود اختراقات غير أخلاقية لهذا التسريب، بعضها ارتبط بتجاوز القيد الأخلاقي الداعم للخصوصية، وبعضها ارتبط بتجاوز القيد الأخلاقي الداعم لحقوق الملكية الفكرية (تسريب ألبومات الغناء لبعض المطربين في مناطق متفرقة من العالم للإنترنت)، وبعضها ارتبط بالفساد (تسرب امتحانات الباكالوريا المغربية عبر الانترنت قبل 24 ساعة من انطلاقتها (25)، كما نشرت صحيفة الوطن السعودية أنباء عن إغلاق 11 موقعا سعوديا سربوا امتحانات مواد الصف الثالث الثانوي).


خاتمة:

كما سبق وقلنا، فإن ثمة طفرة في الإتاحة، وطفرة في نماذج الطابع النضالي المرتبط بها. غير أن الوعي بإمكانات الإنترنت فيما يتعلق بالإتاحة المعلوماتية لم يرافقه وعي بالضوابط الأخلاقية والقانونية المرتبطة بالتعاطي مع مساحات الإتاحة هذه. وبرغم أن كل مساحة إتاحة معلوماتية تعد مكسبا للحركة المدنية، إلا أن هذه الحركة عليها أن تقيم نوعا من الوعي يجعل كل أشكال النضال من أجل الإتاحة المعلوماتية متوافقا مع الإطار الأخلاقي العام الذي تتحرك فيه.

وقبل أن نختم هذه الورقة لابد من أن نشير إلى أن تركيزنا في هذه الورقة على الطابع النضالي في الحركة لأجل الإتاحة المعلوماتية إنما هو من باب التركيز في الخطاب، ولا ينفي هذا سائر الأدوار المرتبطة بالإنترنت عموما وسائر وسائل الإعلام بصورة أعم مثل التوعية المعلوماتية وتكوين وبناء الآراء والاتجاهات والتعبئة خلف القضية أو خلف الفعالية، بالإضافة لأدوار جديدة ارتبطت كثافتها وقوتها المتنامية بالإنترنت الجديدة مثل التشبيك والمشاركة الإيجابية بالرأي والمعلومات في إطار الحالة ما بعد التفاعلية التي جعلت الجمهور منتج للمحتوى الإعلامي بقدر ما هو مستهلك له.

========================

الإشارات المرجعية:

1 - Craig Newmark, Commentary: Internet can strengthen democracy, CNN.COM; technology, August 26, 2008.

2 - Selvakennedy Selvaduray & Omer Mahmood, Modeling "Web of Trust" with web 2.0, Proceedings of World Academey of Science, Engeneering & Technology, Volume 18,December 2006, ISSN 1307-6884.

3 - وسام فؤاد، الإنترنت الجديدة وأثرها على الإعلام الإليكتروني، بحث مقدم للمؤتمر العربي الأول للإعلام الإليكتروني، طرابلس، 2007.

4 - يمكن متابعة دور هذه المواقع في فضح التجاوزات المريعة التي باشرتها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الإنسان الفلسطيني في مجزرة غزة بدءا من 27-12-2008.

5 - University of Strathclyde web site, Information Technology Services, Services, Webdrive.

6 - John Grantz, The Diverse and Exploding Digital Universe, EMC, March 2008.

7 - الإكزابايت هو كم يقدر بألف جيجابايت.

8 - موسوعة ويكيبيديا مادة ويب 2.0، مع تصرف ببعض المراجع الأخرى المرفقة.

9 - يمكن في هذا الإطار متابعة الجهد الذي يبذله الحقوقي المصري جمال عيد عبر موقع فيس بوك للتعرف على أحد أنماط استخدام التشبيك للدفاع عن الحالة الحقوقية، ويمكن أيضا الإحالة لدراسة حالة إضراب السادس من أبريل والرابع من مايو 2008 كمثال لربط المعلوماتية بالحركة الميدانية.

10 - وسام فؤاد، خصائص الجيل الرابع لما بعد التفاعلية، إسلام أونلاين.نت، علوم وصحة، 10-06-208.

11 - لمزيد اطلاع على خصائص ويب 2.0 وإمكاناتها الإعلامية يمكن مراجعة ورقة الإنترنت الجديدة وتأثيرها على الإعلام الإليكتروني، مرجع سابق.

12 - هذا هو تعريف المنظمة العالمية للملكية الفكرية WIPO لموضوع الملكية الفكرية على موقعها.

13 - سمر كرم، الملكية الفكرية مقابل "الحرية الفكرية، النسخة العربية لموقع أكاديمية دويتشه فيله، صفحة ثقافة ومجتمع، د.ت.

14 - Wikipedia, the article of: Freedom of information.

15 - المرجع السابق.

16 - منظمة الشفافية العالمية، صفحة التعريف بالمنظمة.

17 - Wikipedia, The article of: Classified information.

18 - Wikipedia, the article of: Freedom of information Legislation.

19 - المرجع السابق.

20 - صحيفة الاقتصادية، موقع إلكتروني لتشجيع تسريب أسرار الشركات حول العالم، صفحة التكنولوجية، 09-02-2007.

21 - الجزيرة نت، اتهام مترجم في قاعدة غوانتانامو بتسريب وثائق سرية، 13-11-2003.

22 - موقع الأسواق العربية، قلق من تسريب معلومات في سوق الأسهم لتحقيق أرباح استثنائية وغير مشروعة، 01-11-2006.

23 - محمود عنبر، كيف ننقذ مستقبل سوريا الرقمي؟، شبكة فولتير الثقافية، 10-04-2007.

24 - موقع أخبار الشرق الأوسط المالية والاقتصادية، تسريب أجزاء من شفرة "ويندوز"، 15-02-2004.

25 - صحيفة طنجة المغربية، تسريب امتحانات البكالوريا عبر الإنترنت قبل 24 ساعة من الامتحانات، 05-06-2008.


· تعريف بالباحث: خبير معلوماتي مصري، ومشرف وحدة البحوث والتطوير بشبكة إسلام أونلاين.