تهدف هذه المدونة للتعريف بإنتاج وحدة البحوث والتطوير بشركة ميديا إنترناشيونال.. أحد بيوت الخبرة العربية في مجال الإعلام الجديد..

الثلاثاء، 1 سبتمبر 2009

أنماط الاتصال في الميديا المعاصرة






في وسائط الإعلام اليوم لدينا ثمانية اتجاهات أساسية لأنماط الاتصال من الناحية النظرية. هذه الأنماط تتأسس على المزاوجة بين معيارين للتعرف على أنماط الاتصال. المعيار الأول هو معيار حضور المحتوى، والمعيار الثاني هو المعيار ما بعد التفاعلي.
وإذا بدأنا بالمعيار الثاني (معيار ما بعد التفاعلية) سنجد أنه يمنحنا توجهين لأنماط الاتصال: أولهما نمط الاتصال أحادي الاتجاه (One to Many) حيث العلاقة الإعلامية تتوزع ما بين مراكز لها القدرة على إنتاج المحتوى وهوامش أو أطراف لا تملك إلا استهلاك المحتوى، وثانيهما نمط الاتصال التشاركي (Many to Many) حيث العلاقة الإعلامية ليس بها مراكز؛ حيث الكل أطراف؛ بينهم بؤر تدفق اتصالي مكثف تتسم بالموثوقية من عدمها؛ أو الغزارة من عدمها؛ أو التميز النوعي من عدمه.. إلخ.
وأما عن المعيار الثاني: معيار المحتوى فسنجد أنه يمنحنا أربعة مجسات لندرك بها أنماط العمليات الاتصالية المختلفة. المجس الأول يتعلق بتوفر المحتوى نفسه أثناء العملية الاتصالية؛ وهو ما أسميته بالمؤشر الموضوعي. والمجس الثاني يتعلق بعدم وجود محتوى، ويكون موضوع الاتصال تعابير وجدانية ونفسية خلو من الأفكار في كثير من الأحيان؛ وهو ما أسميه: المؤشر الذاتي. أما المجس الثالث فيتعلق بتوفر إمكانات الوصول للمحتوى؛ وهو ما أسميته بالاتجاه التفاعلي أو الترويجي. وأما المجس الرابع فهو المحتوى الخدمي؛ وفيه يكون موضوع العملية الاتصالية خدمة يقوم بها أحد تكوينات العملية الاتصالية؛ وهو ما يمكن تسميته بالاتجاه الخدمي.
وفي هذا الإطار يكون لدينا نظريا هذه الأنماط الثمانية التالية:


أ – نمط الاتصال الموضوعي أحادي الاتجاه:


التوصيف: هو نمط الاتصال الأكثر شيوعا في وسائط الإعلام التقليدية التي تقدم محتوى ذا قيمة سوقية (وهذا سبب اعتباره نمط اتصال موضوعي)، وثمة محدودية كبيرة في الإمكانات التفاعلية (بريد القراء في الصحف – البرامج الحية في التليفزيون والراديو). لكن يجب ألا نظن أن هذا النمط يقتصر فقط على وسائط الإعلام التقليدية. فالإنترنت حتى عام 2003 كانت تسير في نفس الاتجاه حتى شهدت الثورة الديمقراطية المسماة ويب 2.0. ويجدر القول بأن إسلام أونلاين.نت حتى اليوم لا يزال نمطها الغالب الساحق هو نمط الاتصال الموضوعي أحادي الاتجاه، ولا يغير من ذلك تلك الطبيعة التفاعلية لخدمة مثل الحوارات الحية أو مثل الاستشارات لأن تفاعلية هاتين الخدمتين تجعلهما تنتميان لنمط الاتصال أحادي الاتجاه.


التقييم: بالرغم من حيوية هذا النمط الاتصالي، وبخاصة لدى من يرغب في تملك القوة الناعمة وأدواتها؛ إلا أن كثيرا من مكونات هذا النمط تتراجع، أو على الأقل يتنامى معدل انتشار بديلها. فلو نظرنا لتقرير المجلات الإخبارية أونلاين الخاصة بجوجل[1]سنجد أن عدد الإصدارات الإليكترونية من الصحف الأمريكية قد بلغ 2724 صحيفة، وفي المملكة المتحدة بلغ 27 صحيفة. وفيما يتعلق بالتليفزيون يمكننا أن نلحظ أن 10% جمهور الإنترنت في الولايات المتحدة في عام 2006 يستهلك تليفزيون الإنترنت بانتظام؛ و67% منهم يدخلون مواقع التليفزيون أونلاين كل يوم[2]. ناهيك عن توظيف القنوات الكبرى للإنترنت كمخزن للبرامج المهمة. وكل هذا التقدم على حساب الانسحاب من استهلاك الميديا التقليدية: الراديو والتليفزيون والصحف.


ب – نمط الاتصال الموضوعي التشاركي:


التوصيف: يتعلق هذا النمط بذلك المحتوى الموضوعي: نص أو وصت أو صورة أو فيديو الذي ينشره الجمهور أونلاين ويتشاركونه فيما بينهم. ولو أخذنا المدونات كمثال، سنجد أن الخبير ستيفن سبينسر قد نقل عن موقع Technorati في عام "2004" أن عدد المدونات يزداد بمعدل 23 ألف مدونة يوميا من بينها مليون وربع مدونة تنشأ ليوم واحد حتى تاريخه، وأن عدد التدوينات 400 ألفا كل يوم. وأن محركات البحث قد أفادت أن 11% من مستخدمي الإنترنت يطالعون المدونات بانتظام[3]. ولنا أن نتصور كم تطور الوضع في عام 2009 مع هجمة الجنوبيين على عالم المدونات بعد 2006. وقد قدر موقع Calson Analytics blogging عدد المدونات في عام 2006 بأنه يتزايد بمعدل 160 ألف مدونة شهريا[4]. ويشير موقع Nielsen Wire إلى أن استهلاك الموسيقى أونلاين قد زاد في منتصف 2009 بنسبة 1017%، وأن استهلاك الفيديو قد زاد في نفس الفترة بنسبة 397%[5].


التقييم: هذا الاتجاه يتزايد، حتى إن مواقع الإصدارات الإليكترونية للصحف والمواقع العالمية بدأت تتجه جديا لابتكار آليات لإدماج الجمهور في عملية إنتاج المحتوى.


ج – نمط الاتصال التداولي أحادي الاتجاه:


التوصيف: هو نمط من أنماط الاتصال يتعلق بالمحتوى ونشره؛ ولكن ليس بالمحتوى الأصلي؛ بل بإعادة تدوير المحتوى الأصلي؛ مع بعض التدخل في هذا المحتوى بما يضيف قيمة جديدة له تبرر إعادة نشره، وهذا النمط يعبر التقسيم الجيلي لوسائل الإعلام، حيث نجده قائم بوسائط الإعلام التقليدية كالصحف والمجلات والتليفزيون والراديو، بقدر ما نجده موجودا بوسائط الإعلام الجديدة كالإنترنت والموبايل وأجهزة البودكاست. حيث نجده في الصحف من خلال مجلات وصحف عروض الكتب ومراجعات الأفلام.. إلخ. ونجده بالتليفزيون عبر آليات الإعلانات المختلفة الخاصة بالمحتوى على القنوات المختلفة أو القنوات التي تعيد عرض المحتوى المقدم بمجموعة أخرى من القنوات ولعل أبرزها بالعربية قناة إم بي سي 4 التي تعيد عرض أهم البرامج الموجودة في وسائل الإعلام العالمية كبرنامج أوبرا ولاري كيج شو.. إلخ، وبعض الإذاعات وبخاصة الإذاعات الأهلية التي يكون جزءا وافرا من اتصالها إعادة بث محتوى منشور بالفعل. كما يتواجد نفس النمط بوسائط الإعلام الجديد، حيث ثمة مواقع هدفها إعادة نشر محتوى منتقى من مواقع أخرى، ومثيله في العالم العربي "شبكة الوحدة الإسلامية" وموقع "زواء" وشبكة "مراصد"، بالإضافة لإعادة إنتاج المحتوى عبر الهاتف الجوال والبود كاست. وهي أطر لا تتيح التفاعل؛ بل هي أحادية الاتجاه.


التقييم: هذا النمط من وسائل الإعلام له جمهوره. والواضح أن وفرة المحتوى لدرجة السيولة تدفع البعض للتركيز على نوعية معينة من المحتوى وإعادة عرضها؛ إما لفائدتها أو لوفرة جمهورها وتبعاته الاقتصادية. والإنترنت الجديدة - بصفة خاصة – تتيح تطبيقات وظيفتها انتقاء المحتوى وإعادة تشفيره ليمكن لموقع جديد استضافة هذا المحتوى وإعادة نشره.


د – نمط الاتصال التداولي التشاركي:


التوصيف: يتعلق هذا النمط بالمحتوى، ولكن ليس من قبيل المحتوى ذاته، بل من قبيل وسائل مبتكرة لتداوله وإعادة تدويره. ويتعلق هذا النمط الاتصالي بالإنترنت الجديدة والهاتف الجوال، حيث بدأت تعمل بعض المواقع لتوفير آليات لتداول المحتوى، ويأتي على رأسها مواقع علامات التداول Social Bookmarking. والفهرسة الاجتماعية Social Cataloging.. إلخ. ومن أمثلة المواقع التي تعنى بهذه الظاهرة على الإنترنت مواقع مثل Delicious وSites U Lik وClip Marks بالنسبة للإنترنت، وهناك بالنسبة للهاتف الجوال مواقع مثل Goojet لتداول المواقع و Vuclipلتداول الفيديو.


التقييم: باعتبار أن وسائط الإعلام الجديد هي الأقرب للمستخدم، حيث تعتمد على وسائط محمولة وسهلة الانتقال؛ وباعتبار الاعتماد على التشبيك الذي - يعني فيما يعني – القدرة على غربلة المحتوى وتداوله؛ فإن هذا النمط من أنماط وسائط الإعلام له سوقه الذي يتنامى يوما بعد يوم ويغلب على العمل فيه أن يكون مكملا وليس تنافسيا؛ وإن كان البعد التنافسي غير غائب. فمواقع التداول اليوم بدأت تتخصص بعضها يعمق فكرة علامات التداول وبعضها يقوم بالتشبيك على أساس الهوايات مثل الموسيقى iLike والفيديو Flixter والصور fotolog.. إلخ.


هـ - نمط الاتصال الخدمي أحادي الاتجاه:


التوصيف: الخدمة من أهم أنماط الاتصال اليوم في وسائط الإعلام. وبعض وسائط الإعلام تنشئ خصيصا لأجل تقديم خدمة؛ سواء أكانت الخدمات المقدمة استشارية أو للفضفضة أو للإعلان والتسويق والوساطة في العمليات التجارية المحدودة والواسعة النطاق. وغالبية هذه الخدمات أحادية الاتجاه (أي غير التفاعلية) توجد في كل وسائل الإعلام؛ بما في وسائل الإعلام الجديدة. ولو نظرنا للجانب الاستشاري لوجدنا مواقع وقنوات تليفزيونية وخدمات هاتف جوال ومحطات إذاعية تتخصص بتلك الخدمة. ولو نظرنا لخدمات التسويق والوساطة لوجدنا مواقع وقنوات تتخصص في تقديم هذه الخدمات عربيا وعالميا؛ وإن كان يغلب على هذه الخدمات الطابع المحلي؛ ويرقى للمستوى الإقليمي في بعض الحالات. وتطور الإنترنت الجديدة بصفة خاصة تطبيقات وظيفتها جلب نوعية معينة من المحتوى من مختلف مواقع الإنترنت، وهذه خدمة في ذاتها؛ بالإضافة للشكل التقليدي من الخدمات الذي يقدمه موقع مثل Mind Stream أو Remember the Milk، وهي مواقع لتنظيم الوقت والمجهود، بالإضافة للحالة النماذجية التي يقدمها جوجل من خلال Google Reader وGoogle Document، ونقول البريد الإليكتروني من قبيل نافلة القول.


التقييم: بالنظر لاتجاه جماهير وسائط الإعلام للتعاطي المكثف مع الوسائط الإعلامية التي تتجاوز المنظور الكلي وتتجه لتلبية الاحتياجات الشخصية لها؛ فإن هذا النمط من أنماط الاتصال موضع اهتمام، وينتظر اتساعه بصورة قوية؛ لأن طبيعة الخدمات التي تقدم وشخصيتها تجعل المواقع تضيق عن استيعاب هذا الكم الهائل من الاحتياجات الشخصية، وهو ما يجعل السوق ينتظر المزيد من مزودي المحتوى الخدمي.


و – نمط الاتصال الخدمي التشاركي:


التوصيف: هذه الخاصية خاصة بالإنترنت الجديدة وميديا الهاتف الجوال فقط والتليفزيون التفاعلي فقط. وربما اشترك في تقديم هذه الخدمة بعض أنماط الإذاعات بالغة المحلية في العالم الغربي، حيث نجد بعض هذه الإذاعات تتعامل مع جمهورها بشكل شخصي وفردي وليس باعتبار انتماء الإذاعة لعالم الإعلام الجماهيري Mass Media. وتبدأ أنماط الخدمات التشاركية من التشبيك لأجل التشبيك، ولا تنتهي بمواقع تشارك النص والصوت والصورة والفيديو والخواطر والأفكار وخطط العمل.. إلخ. كما تعد مواقع الألعاب أحد الأنماط الفرعية المعبرة عن هذا النمط العام. ويحدث نمط الاتصال هذا إن على الإنترنت أو الهاتف الجوال على حد سواء.


التقييم: هذا النوع من الخدمات يتنامى بسرعة قوية. وفي خلال فترات وجيزة وجدنا مواقع مثل Craig أو Perfspot يقفز ترتيبها من الرتب حول الرتبة 5000 إلى إحدى رتب المواقع المائة الأوائل. وموقع فيس بوك على سبيل المثال تجاوز اليوم 300 مليون مشترك، من بينهم 65 مليون مشترك نشط عبر الهاتف[6]. وهذا وضع لا يحتاج إلى تقييم؛ فقط نتحدث فيه عن نسبية الحضور الجماهيري لهذه النوعية من الخدمات.


ز – نمط الاتصال الذاتي أحادي الاتجاه:


التوصيف: هي نوعية من أنماط الاتصال يكون المحتوى فيها ذو طبيعة ذاتية تعكس نطاقات اهتمامات ضيقة جدا تصل لحد الفردية. وهذا النمط الاتصالي موجود ومحل إدراك من الخبراء والمراقبين. ويعد أبرز نماذج نمط الاتصال هذا ما يعرف بنمط إعلام العصابات والشلل، ويكون ذلك من خلال محطات إذاعية أهلية أو مواقع شخصية فردية أو حتى مدونات ليس هدفها الاتصال الجماهيري، وأحيانا ليس حتى الاتصال محدود العدد؛ بل النشر لمجرد التعبير عن الذات، وإن حدث اتصال فهو نتيجة غير مقصودة.


التقييم: لا توجد إحصاءات وفيرة متوفرة عن مثل هذا النمط الاتصالي. ونقص الإحصاءات ليس سمة تعاطي المراقبين مع هذا النمط الاتصالي وحده، بل هو سمة عامة تتعلق بإحصاءات عموم عضويات المستخدمين لمواقع الإنترنت على مستوى الكوكب بأسره.


ح – نمط الاتصال الذاتي التشاركي:


التوصيف: هو نمط معروف لدى المراقبين والمتخصصين باسم المحتوى المصغر، ويعرفه البعض تجاوزا باسم التدوين المصغر، وإن كنا نتحفظ على تسمية هذا النمط بأنه تدوين لوجود ما يشبه الاتفاق على أن التدوين تنطبق عليه خواص الحالة الإعلامية من قبيل تجميع أو عرض أو تحليل المعلومات المتعلقة بالاتجاهات أو القضايا أو الأفراد وفق نمط تغلب عليه حالة من التحيز تتفاوت درجة ارتفاعها من مدونة لأخرى. فالغالب على هذا النمط من أنماط الاتصال أنه بالغ الذاتية في اتجاهه العام؛ وإن كانت هذه الذاتية موضع تشارك لأن الجمهور يريد تجاوز الاجتماع حول المحتوى الموضوعي للالتفاف حول المحتوى الذاتي والاحتفاء به واستهلاكه؛ سواء أكان ذلك من قبيل التلصص المسموح به أو من قبيل المشاركة الوجدانية.. إلخ. لكن لا ينبغي القول بأن هذا النط ذاتي بنسبة 100%. فالوسيلة تحمل إمكانية الاستهلاك الموضوعي. وهذا هو سر الطفرة في التعامل مع تويتر عقب خبرة الانتخابات الأمريكية ثم الإيرانية.


التقييم: هذا النمط من المواقع يتنامى بسرعة كبيرة. ولو أخذنا Twitter على سبيل المثال سنجد دراسة للمتخصص في شؤون الإنترنت الجديدة Daniel Scocco يؤكد في 18 مارس 2009 أنه أنشأ 3 حسابات تجريبية على Twitter والفارق بين إنشاء كل منها كان 10 ثوان، ومع كل مرة يظهر تنبيه إلى أن عدد المشتركين زاد من 25,272,447 عقب الاشتراك الأول إلى 25,272,534 عقب الاشتراك الثاني؛ إلى 25,272,591 عقب الاشتراك الثالث؛ مما يجعل هذا الموقع ينمو بمعدل ما بين 5 إلى 6 أعضاء في الثانية الواحدة[7]. وهناك عشرات المواقع التي تعنى بهذا النوع من الاتصال بالغ الذاتية وإن كان في سياق تشاركي.




==============================
[1] - http://www.google.com/Top/News/Newspapers/Regional/
[2] - Internetnews.com, Online TV Gaining Market Share, October 27-2006.
[3] - Stephan Spencer, Blogging Stats, Stephan Spencer Scatterings, 31-12-2004.
[4] - Calson Analytics blogging, blog statistics and demographics, 2007.
[5] - Nielsen Wire, Social Media Stats: Myspace Music Growing, Twitter’s Big Move, 17-07-2009.
[6]- Mark Zuckerberg, Social Media Stats: Facebook Passes 300 Million Users (Worldwide); Twitter Continues to Grow in U.S., Resource Shelf, 2009 Stats.
[7] - Daniel Scocco, How Many Users Does Twitter Have?, Daily Blog Tips, 18-03-2009.